في مؤشر يدل على تحول ملحوظ في سياسة القاهرة تجاه الموقف السوري، أدانت مصر استمرار عمليات القتل من جانب النظام بحق المدنيين الأبرياء، وطالبت دمشق بالتنفيذ الفوري للمبادرة العربية.
وأوضح محمد كامل عمرو- وزير الخارجية المصري، في أول بيان شديد اللهجة عن إدانة جمهورية مصر العربية للتصعيد الكبير وغير المقبول الذي تشهده مدينة حمص وسائر المدن السورية، وأكد رفض مصر القاطع لاستخدام العنف ضد المدنيين، مطالبًا الحكومة السورية بالإنصات بدقة إلى مطالب الشعب السوري الشقيق، وتلبية هذه المطالب وحقن الدماء فورًا.
كما حذر من أن الوضع في سوريا يتدهور بسرعة، والأمر لا يحتمل أي تأجيل والتغيير المطلوب قد حان وقته لتجنب انفجار شامل للوضع في سوريا، والذي ستكون له تداعيات وخيمة على الوضع الإقليمي واستقرار المنطقة.
وبيّن وزير الخارجية أن الموقف المصري من الأزمة السورية مبني على ثلاثة عناصر هي: "التطبيق الفوري والكامل والأمين لجميع بنود خطة العمل العربية، باعتبارها الطريق الوحيد لتحقيق طموحات الشعب السوري المشروعة في الحرية والديمقراطية والتغيير"، ثانيًا "التأكيد على أولوية الحل العربي ورفض التدخل العسكري في سوريا، وأن يكون كل جهد دولي داعمًا لخطة العمل العربية ومكملاً لها، على أن تكون الأولوية القصوى للوقف الفوري للعنف ضد المدنيين"، ثالثًا "ضرورة إحداث تغيير سلمي وحقيقي يستجيب لطموحات الشعب السوري ويحافظ على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية".
هذا وقد أصدر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب- شيخ الأزهر، بيان لافت أمس الثلاثاء، تحت عنوان (صرخة الأزهر من أجل سوريا الشقيقة)، حيث تضمن هجومًا شديدًا على النظام السوري، وطالب العرب أولاً وأحرار العالم ثانيًا "بعمل جاد جريء عاجل يتجاوز حدود بيانات الإدانة والتنديد".
جاء في بيان شيخ الأزهر قوله "لقد بلغ السيل الزبى في قطرنا السوري، وجاوز الظلم المدى، وفي كل يوم تُزهق فيه الأرواح البريئة، تشكو لربها هذا الطغيان البشعَ الذي لا يتوقف، وتستصرخُ العرب وجامعة دولها أن يفعلوا شيئاً -ولو يسيراً- يُوقف آلة القتل والموت والدماء والخراب، وتحمّلهم -أمام ضمائرهم وتاريخهم- مسؤولية هذا العبث، وهذه الهمجية التي طال عليها الأمد في سوريا، وقست قلوب القائمين عليها والمتورطين في أوحالها. بعد أن نُزعت الرحمة من قلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم".
وأضاف البيان "وحيث لم يعد مجديًا أن يستصرخ الأزهر هؤلاء الطغاة والمتجبرين، فإنه يوجه صرخته إلي الشعب الصامد في سوريا الشقيقة، وهو يدق أبواب الحرية والعدالة بيد مضرجة من دمائه الذكية، أيها الصامدون في سوريا الشقيقة! اصبروا وصابروا ورابطوا، وسيروا في طريقكم على بركة الله، ولا تُستدرجوا إلى عنف أو مواجهة مسلحة في هذا الصراع البائس الكريه، ولكن دافعوا عن أنفسكم وأعراضكم ونسائكم وأطفالكم، واعلموا أن من قُتل دون حقه فهو شهيد، كما وعد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
كما خاطب بيان الأزهر الجيش السوري وذكّره بأن "مهمة الجيوش هي حماية الشعوب والأوطان، وليس القمع والبطش والعدوان، وعليهم أن يعلموا أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن من أكبر الكبائر قتل النفوس بغير حق، وإراقة الدم الحرام، ولن يجديكم أمام ربكم يوم الحساب أن تقولوا: إن أوامر المتسلطين أجبرتنا على ذلك، فلا شرعية لمن يقتل الشعب ويُريق دمه ويُيَتّم أطفاله ويرمل نساءه، هذا وإن دولة الظلم ساعة، ودولةُ الحق إلى قيام الساعة".
وفي ذات السياق، جاء رد الإخوان المسلمين على التخاذل العربي العالمي بشكل عام والمصري بشكل خاص قويًا وعنيفًا، حيث وصفت جماعة الإخوان المسلمين في مصر موقف دول العالم التي لا تتخذ إجراءً حاسما لإيقاف ما يحدث في سوريا ب(المخزي).
واعتبرت في بيان لها أن النظام السوري "الوحشي الإرهابي" ما يزال مصرًا على الحل العسكري لهذه القضية رغبة في القضاء على الثورة، ومنتقدة استخدام الحكومتين الروسية والصينية لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار الجامعة العربية بشأن سوريا. وأشارت إلى أن "العرب والمسلمين والأحرار في العالم يستنكرون موقف الحكومتين، وأن الشعوب سيكون لها موقف من كل من وقف ضد إرادتها".
وقد أعلن الدكتور محمود غزلان- المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر وعضو مكتب الإرشاد، في وقت سابق، أن إخوان مصر يدعمون إخوان سوريا والأردن في مطالبهم للأمة العربية والإسلامية أن تقاطع السلع والبضائع الروسية والصينية بعد الموقف المخزي الذي اتخذته روسيا والصين في مجلس الأمن باستخدام حق الفيتو في منع إدانة مجازر نظام بشار الأسد الوحشية.
وأضاف غزلان أن الإخوان يدينون هذا الإجراء (الروسي – الصيني) ويعتبرونه تكريسًا للمذابح التي يتعرض لها الشعب السوري، واستعار غزلان تعبير إخوان سوريا بأن "اليوم الذي اتخذت فيه الصين وروسيا هذا (الفيتو) ضد إدانة النظام السوري لهو يوم أسود ومشئوم في تاريخ الدبلوماسية والذاكرة السورية، بل والعربية والإسلامية، ويضع روسيا جنبًا إلى جنب مع أمريكا في انحيازها الأعمى للكيان الصهيوني".
جدير بالذكر، أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان -ومقرها لندن- قالت إن عدد القتلى منذ بدء الاحتجاجات في سوريا قبل 11 شهرًا تجاوز ثمانية آلاف قتيل، من بينهم 590 طفلاً على الأقل.
وأوضحت الشبكة -في بيان لها- أنها قامت بعمل إحصاء شامل بالتعاون مع جميع الهيئات الشريكة لها ومئات الناشطين المتعاونين معها، أظهر أن العدد الكلي للقتلى حتى تاريخ الرابع عشر من فبراير الجاري بلغ 8343 قتيلاً، بينهم 590 طفلاً (119 طفلة و471 طفلاً)، و442 امرأة.
وأضاف البيان أن عدد القتلى جراء التعذيب بلغ 336، في حين بلغ عدد القتلى من العسكريين وقوات الأمن المنشقين عن النظام 644 قتيلاً.
وقالت الشبكة -التي أرفقت بيانها بقائمة مفصلة بأسماء القتلى ومناطقهم داخل سوريا- إنها توصلت إلى هذه الأرقام بعد قيام فريق التحقق والتوثيق المؤلف من 239 عضواً من أعضاء الشبكة في جميع المحافظات السورية بتدقيق وتحقق جميع المعلومات الواردة، والتأكد من شخصين على الأقل في إفادات خطية مسجلة من مصداقية أي معلومة قبل توثيقها.
وأضافت أن الإحصاء اعتمد كذلك على إجراء آلاف المقابلات مع ذوي الضحايا وأصدقائهم وأقربائهم، بالإضافة إلى مقابلات مع أطباء عاينوا جثث القتلى من الأطفال، وضحايا التعذيب من القتلى من النساء قبل إصدار شهادة الوفاة لهم.
وبحسب الإحصاء الذي قامت به الشبكة، فإن أحياء محافظة إدلب وحدها شهدت سقوط 1030 قتيلاً، فيما سقط في درعا 1033 منذ بدء الاحتجاجات في 15 مارس 2011.