لأول مرة تمتلئ الصفوف الأولى فى مؤتمر عمالى بغير الوزراء وكبار المسئولين الحكوميين، ولكن احتلها عن أخرها ممثلو النقابات، والاتحادات العمالية الدولية، والأوروبية، والعربية، ومنظمتى العمل الدولية والعربية. هكذا بدا مشهد المؤتمر التأسيسى «للاتحاد المصرى للنقابات المستقلة» متوافقا مع اسمه. فالعمال هم الذين يعتلون المنصة وحدهم، وهم الذين يقومون بالترجمة لكلمات النقابيين الأجانب إلى العربية، وهم الذين يتحركون فى القاعة أيضا ليسجلوا بالصوت وبالصورة عبر موبايلاتهم، وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم أحداث المؤتمر. وكان من أهم ما رصدته العدسات والشاشات هو رفع أيدى ممثلى نقابات عمال اليومية، والمحاجر، والصيادين، والفلاحين جنبا إلى جنب مع ممثلى نقابات الطيارين، والمضيفين، والنيابات والمحاكم، والمعلمين فى التصويت بالموافقة على أن يتم اقتسام المنصة بين رجلين وسيدتين، بدلا من أن يستأثر بها ثلاثة رجال وامراة واحدة. وصفق الجميع لهذا الاختيار. وكان التصفيق هو الإشارة الدالة على الموافقة على كل خطوة فى المؤتمر الذى أراد أن يخلق آلية ديمقراطية طول الوقت للحصول على رأى الأغلبية. وبدت أجواء القاعة منذ البداية حماسية عندما بدأ ممثلو النقابات الدولية يتحدثون عن إلهام النقابات المستقلة المصرية للعديد من الحركات العمالية فى دول العالم، ويوجهون تحياتهم إلى شهداء الثورة المصرية. وزاد المشهد حماسا عندما تعالت الهتافات ترج القاعة تحية لممثل اتحاد الشغل التونسى عندما كان يلقى بكلمته «كل الشعب العربى العامل عايز الحل الثورى الشامل». ولم يفتر الحماس حتى عندما بدأ العمال يناقشون الإستراتيجية التى سيتبناها الاتحاد، والتى أستدعت موافقة من الجمعية العمومية.
وكما اعتبر منجى عبدالرحيم ممثل اتحاد الشغل التونسى أن الشركات متعددة الجنسيات فى مصر وتونس، وفى كل بلاد العالم تعمل على ضرب الحريات النقابية لتفرض نوعا من العبودية «فمعركتنا ضدهم يجب ألا نخوضها على المستوى المحلى، ولكن هى معركة كونية. فكما عولمت النيوليبرالية الفقر والبطالة يجب علينا أن نعولم العمل النقابى»، على حد قوله. وليس هذا ببعيد عما جاءت به استراتيجية الاتحاد المصرى المستقل فهى متوافقة مع هذه الرؤية «إن الحركة النقابية المصرية جزء لا يتجزء من الحركة النقابية العمالية الدولية، وتوحش الرأسمالية المصرية وجشعها واستغلالها للكادحين جزء لا يتجزأ من توحش الرأسمالية العالمية، واستغلالها لجهد العمال وعرقهم. لذلك وجب على الحركة المصرية أن تصبح جزء من عولمة النضال العمالى فى مواجهة العولمة الرأسمالية»، تبعا لما جاءت به أوراق استراتيجية الاتحاد المصرى.
العسكر والصناديق
وكانت السياسة حاضرة بقوة فى المناقشات، حيث بدأ الخلاف حول ما جاء فى أهداف الاتحاد المستقل من مهام خاصة باستكمال الثورة وأولها «النضال من أجل إنهاء وجود المجلس العسكرى فى إدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية». إلا أن عادل السعيد من نقابة الصرف الصحى اعترض على ذلك، وطلب حذف ذلك البند معللا «بأن الشعب اختار من خلال الصناديق من يمثله فى مجلس الشعب، وبذلك تقلص دور المجلس العسكرى. ولم يعد الأمر يحتاج إلى نضال «على حد قوله. إلا أن فاطمة رمضان الأمين العام المساعد للاتحاد اعترضت على حذف هذا البند محملة المجلس مسئولية تعطيل اصدار قانون الحريات النقابية حتى الآن، ومسئولية صدور قانون بتجريم الاعتصامات والإضرابات، وكذلك حبس العمال الذين لم ينصاعوا لقانون التجريم. «فكيف لا نزيحه وهو الذى لا يقبل التفاوض مع أحد» على حد قولها. وصفقت الأغلبية على ما قالته. واعتبر ذلك موافقة على النضال ضد إنهاء الحكم العسكرى. واعترضت كذلك على ما جاء فى أوراق الاتحاد من وقوف حزب الوفد قبل الثورة إلى جانب نقابات العمال «بالعكس الوفد كان يريد السيطرة على النقابات، وهو الحزب الذى حل اتحاد العمال فى عام 1921» على حد قولها.
أما بقية الأهداف مثل العمل على وضع حد أدنى عادل وحد أقصى بفجوة لا تتجاوز 12 ضعفا، والنضال من أجل عودة الشركات والمصانع والأراضى التى تم نهبها تحت مسمى الخصخصة إلى المال العام مرة أخرى. والسماح للعمال بإدارة المصانع المتعطلة. والنضال من أجل وجود تنمية بديلة تكفل التوقف عن سياسات التبعية، وتقوية النقابات داخل الاتحاد والتحول بها إلى قوة اجتماعية وطرف أصيل فى وضع قواعد اللعبة بل وإلى لاعب أساسى فكانت كلها محل اتفاق.
الانتخابات.. سلفيون ويساريون وأحرار
وأبت السياسة إلا أن تكون العامل المشترك فى كل جوانب المشهد. فجاءت أوراق الدعاية الانتخابية للمرشحين لمجلس إدارة الاتحاد المستقل، والتى أجريت أمس، ملغمة بالسياسة. فذكر أحد المرشحين فى دعايته أنه قيادى عمالى فى حزب النور السلفى، وكان قبل ذلك عضوا بحزب الغد. بينما حرص مرشح آخر يبدو من دعايته أنه ذو توجهات يسارية وأنه دخل معترك السياسة منذ ما يزيد على عشرين عاما وأنه دخل السجن 25 مرة. بينما شكل عدد من العمال مجموعة أطلقت على نفسها «النقابيين الأحرار» وتعهدوا بكشف أى مرشح يسعى إلى تحقيق مصالح شخصية.