عن الرواية والثورة في تونس كانت ندوة ضيف الشرف ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب. أدارت الندوة الأديبة عروسية النالوتي، وشارك فيها كل من الروائيين: كمال الرياحي بروايتيه "المشرط"، و"الغوريلا"، وكمال الزغباني بروايته "أخلاط"، وروح الدين العلوي بعدة روايات، كما تحدث عبد الواحد المكني عن الانتخابات بعد الثورة.
بدأت الندوة بنبذة عن روايات تونسية ثورية منها "برج الرومي" لسمير ساسي وهي عبارة عن أدب سيرة ذاتية يحكي فيه عن تجربته في السجن، بالإضافة إلى نبذة عن رواية "الحي يروح".
"المسار الانتخابي في الانتقال الديموقراطي بتونس" كتاب من مؤلفات عبد الواحد المكني، تحدث فيه عن تاريخ الانتخابات في تونس إلى انتخابات ما بعد الثورة، مشيرا إلى أن نتائج الاقتراع كانت في عهد بن علي تخرج لصالحه في كل مرة بنسبة9 .99وهي مهزلة بكل المقاييس، وقال أنه لم تكن توجد أي ثقافة انتخابية لدى الشعب، حتى أن التونسيين بجميع اتجاهاتهم بعد الثورة لم يكن اهتمامهم بنتائج الانتخابات كبيرًا كما كان حرصهم على أن تتم دون تزوير لأول مرة، لذلك يرى عبد الواحد، أن نجاح الانتخابات التونسية كان في إثبات الشفافية والنزاهة في النتائج، غير أن مشكلة عميقة كعدم ترسخ الثقافة الانتخابية لدى التونسيين مازالت قائمة.
وأكد المكني أن جمعية عريقة مثل اتحاد الشغل أيضًا لم يكن بها ثقافة انتخابية لذلك مر الشعب بالانتخابات رغم وجود سلبيات وهنات ونقائص حصر بعضًا منها كرفض إعطاء الحكومة قوائم الترشح، وفشل مكاتب الاقتراع التي يوجد بها الناخبين، وعدم وجود لقوائم الممنوعين من الإدلاء بأصواتهم، كما أن التدبير المالي للانتخابات أيضًا كان من المشكلات التي واجهت أول انتخابات تونسية نزيهة، وختم كلمته عن الكتاب بطرائف انتخابية - كما أسماها - ذكر منها أن بن علي لم يكن ممنوعًا من الترشح، كما أن عددًا من أعضاء الأحزاب خالفوا أحزابهم وأدلوا ببيانات خاطئة أو قاموا بترشيح مخالف لسياسة الحزب.
"أخلاط في البيهموقراطية والثورة" هي مجموعة لكمال الزغباني الروائي والصحفي أستاذ الفلسفة بصفاقص، وله مجموعة قصصية اسمها "الآخر"، ورواية "في انتظار الحياة" التي حصل على جائزة كومار الأدبية عنها، كتابه يجمع أجناس الكتابة، قال عنه إنه تكون من بعض نصوص جمعها ورتبها حسب رابطة واحدة،
وأضاف أن وحدة الكتاب كانت عن الديكتاتوريات العربية التي قامت بتجهيل الشعوب حتى أصبح الذكاء غريبًا بين الناس، ومررت الثقافة الشعبية سياسة الاضطهاد بتعميم السخف والغباوة والعنف، حتى أصبح فعل التفكير من الغرابة بمكان دون فهم لطبيعة الحاكم المفترضة أن تكون في العصر الحديث "أن يرى الجميع ويحيط بمشاكلهم دون أن يراه أحد بمعنى أن تسلط عليه الأضواء".
وحكى كمال الزغباني عن تجربة سياسية حدثت بسبب مقال يضمه الكتاب فقد عرض ذلك المقال على شخص يعرفه حذره أشد تحذير من نشره وأرهبه وقال له سوف تسجن، وفي يوم 15 من يناير 2011 وجد ذات الشخص يحتضنه ويقبله ويقول له هيًا بنا نؤسس جمعية ثورية!!
كان اسم المقال "حملة ثورية للتبرع بماء الوجه" وكان يدعو للتبرع بأكبر قدر ممكن من الحياء وماء الوجه، بسبب ملاحظة أن كثيرًا من الوجوه الحربائية عادت وهي تستخدم اسم الثورة بانتظار أن ينصب طاغية جديد ليمجدوه، فقد استعذبوا العبودية ولا يفهمون أن الشعب لم يعد يقبلها، ويختم حديثه قائلا: أن ثورتنا فرحة وخلاقة، لذلك لن نشمت فيهم، نحن ندعوهم للتزود من الحياء وماء الوجه ليستطيعوا أن ينظروا إلى أنفسهم، وحتى تعكس وجوههم المرايا.
أما رواية "ريح الأيام العادية" لأستاذ الاجتماع "نور الدين العلوي" ضمن خمس روايات أخرى له، بدأ العلوى حديثه في الندوة مرحبًا ومهنئًا مصر على ثورتها، وقال إن تونس مدينة لمصر بالثورة فلو استمر مبارك في الحكم لما نجحت ثورة تونس، وتساءل قائلا: كيف يمكن لنا أن نكتب بعد هذه الثورات؟ ثم أضاف: أنا كقاريء كنت أجد حزنًا فظيعًا وروح نكسة وهزيمة في كل ما يكتب سواء كان نثرًا أو شعرًا أو رواية وكأن الأدباء أصبحوا جميعًا متعهدي جنائز.
وأكد العلوى أنه لم يشرع الآن في كتابة عمل روائي يذكر الثورة أو يوثقها ويتوقف في ذلك الجو الأدبي المشحون بالحزن حتى يستنشق رائحة الحرية ويستوعب الفرح بالثورة، وأضاف: يجب أن أتوقف لأصل إلى نص متفائل، كل رواياتي يموت فيها الأبطال أو يودعون السجون، ذلك للأسف هو الواقع.
وعن مرحلة انتقالية مثل الثورة، قال العلوى إنها تتسم بالسرعة لذلك لا يجب أن نتعجل الكتابة عنها حتى لا نخرج من التشاؤم إلى احتمال الوقوع في التبشير بعهد ذهبي لا منغص فيه، وأضاف أننا كى نخرج من هذه المعضلة يجب أن نشارك في البناء دون التحول لوعظ أو تقليد سياسي للتيار الغالب، مؤكدًا أنه لابد من الاقتداء بمعلم روائي مثل نجيب محفوظ الذي كتب عن ثورة 19 بعد حوالي ثلاثين سنة من انتهائها، وقال برغم أن جائزة نوبل هي جائزة مسيسة إلا أني أتوقع أن أدب الثورات القادم سيحصد من نوبل جائزة ثانية وثالثة ورابعة.
وأشار الروائي الاجتماعي نور الدين العلوي فى تصريحات له على هامش الندوة، إن الرواية المصرية سباقة وهي التي أسست للرواية العربية جمعاء، وأضاف: اعتبر نفسي قريبًا من نجيب محفوظ، أعتبره أستاذي ومعلمي فقد كان مدرسة، غير أني خالفته في عدم الثبات على مكان واحد فأنا رحالة بطبعي أرحل بالنص في عدة أماكن، و عن كتابة رواية للثورة، قال لن أكتب عن الثورة الآن، سوف أتأنى خاصة وأن جمهور الرواية في تونس الآن منشغل بالأحداث، والجدير بالذكر أن نور الدين العلوى يدرس علم الاجتماع بالجامعة، له خمس روايات وأفاده تخصصه في عمق نتاجه الأدبي.
وفي كلمة للأدباء الشبان بمصر قال العلوى : عيشوا الحدث في عمقه ولا تستعجلوا، سيأتي النص وحده سيأتي بالتأني والبناء بهدوء وعقلانية وطول نفس، وانتبهوا من الوقوع في الأدب الحزين أو التبشير بمستقبل جميل لم يأتي بعد، اخرجوا من أدب النكسة فالنكسة انتهت في 25 يناير، ونحن في حاجة لأدب يعلمنا أن نتفاءل، كل التاريخ الآن ماثل في الثورات، انتهى الحكم السلطاني المتجبر الآن وثرنا ضد المُلك العضوض الذي يعض على الكراسي ولا يتركها، الملك العادل لم يثر عليه أحد، ولكن المتجبرين والذين قهرونا فإننا نلعنهم وآخرهم مبارك وهذه مهمتكم الهامة من التحذير من عودة الطاغوت.
الرواية والثورة
كما شارك فى الندوة الأديب والروائي كمال الرياحي، وهو باحث له مؤلفات نقدية مثل "حركة السرد الروائي ومناخاته"، و"الكتابة الروائية عند واسيني الأعرج"، ومجموعتين قصصيتين هما "نوارس الذاكرة"، و"سرق وجهي"، وفي مجال الرواية كتب "المشرط" و"الغوريلا"، وهو حاصل على عدة جوائز محلية ودولية وترجمت كتبه للإنجليزية والإيطالية والبرتغالية.
عن الرواية والثورة، قال الرياحي إن الرواية العربية كان يتنوع موضوعها ما بين احتوائه على تسريد الكارثة كما يكتب عن محارقاليهود، إلى تسريد الهزيمة والنكسة، وبعد ذلك تسريد أحداث سبتمبر، كما فعل تركي الحمد في روايته "ريح الجنة"، كما أن تسريد الفاجعة بروايات تحدثت عن فترة الإرهاب، يجعلنا ندخل لمرحلة يأتي الدور فيها على تسريد الثورة.
وأضاف أن الأدب الروائي يحتاج وقتًا لينضج ولا ينجح بالاستعجال، واللون الأقرب للكتابة عن الثورة الآن هو اليوميات والسيرة الذاتية وليس الرواية، وحتى الآن لم تظهر روايات جديرة بأن تسمى روايات تسريد الثورة، فالكتابة الروائية متأنية جدًا لا يمكن أن تنتهي في شهر أو اثنين.
وعن مكان الثورة من الرواية، قال الرياحي: إن الثورة مثل الحرب أو المجاعة، تكون خلفية ينطلق منها الكاتب، المهم أن تكون الرواية عمل فني قبل أي شيء، وذكر أن بتونس أدبين أحدهما أدب المنفى والآخر الأدب السعيد، أدب المنفى لم يعد هو أدب الخارج لأن السلطة أصبحت تنفي للداخل بالتجويع والتعطيل، كما أنها قامت بإخفاء الكتاب الحقيقيين من المشهد وأخرجت من القاع من أطلقت عليهم أنهم كتاب وهم جنودها وحراسها التي أرسلتهم لتمرير أفكارها، وأضاف أن في هذه الفترة أظهرت الثورة ما يسمى بروايات الفرصة الأخيرة والتي اقتنصها الروائيون الذين لم يعد لهم مكان على الساحة فكتبوا عن الثورة ليعاودوا الظهور في المشهد، أو من عاد لتصفية حسابات وكلها أعمال مفضوحة ومحكوم عليها بالإخفاق.
وأكد الكاتب على أهمية الرواية التي أزعجت بظهورها الشعراء، ولكن أهميتها ظهرت فيما بعد كما يقول عبد الرحمن منيف، إن الشعوب العربية سوف تعرف تاريخها في حقبة معينة من الروايات التي كتبت في ذلك الوقت، ذلك لأن كتابها لم يكونوا مؤرخين ولم تمتد إليهم يد الحاكم، وأكمل: لتكون الثورة فعالة يجب أن تكون مستمرة، علينا أن نبتعد عن خنادق القتال الضاري ونخرج إلى الهواء الطلق ونعيش حالة من الانفلات الحبري، مازلنا نعيش في ثقافة قطيع ينبذ فيها الشريد، لا بد أن نختار المخاطرة، فالمثقف التونسي يسقط مع القطيع ويجب أن يختار طريقه.
وعن روايته "الغوريلا"، قال الكاتب كمال الرياحي، إنها الرواية الأولى التي تحكي عن "المخاخ"، وهو طائر برأس بغل يمتص عقول الأطفال، ولد بعد أن تزوج إنسان بغلة، مما يعني أنه لا أحد يخلو من غرس بغل في رقبته يحميه من جريمة التفكير.
وأكد الكاتب أن الانتصار للمهمشين شكل من أشكال مقاومة الاستبداد، كما أن نقد ما نراه من بؤس هو انتصار للفن وانتصار على النظام، وختم حديثه قائلا أتمنى أن تقرأوا الرواية بعيدًا عن كل نبوءة وأتمنى أن أختبرها معكم، فالثورة لا تكون إلا ثورة ثقافية لأن هناك تغييب تام لدور المثقف في بناء المجتمع.