تعتبر حرفة صناعة الخيزران من التراث الفلسطيني واشتهر بها أبناء قطاع غزة عبر عقود، إذ كانت من وقت قريب تنتشر محال الحرفين القائمين عليها. إلا أنها باتت تتهاوى وسط تحذير بانقراضها. منذ قرابة عقد مضى، إذا ما تجولت في شوارع قطاع غزة، خصوصا سوق فراس وسوق غزة القديم تجد الانتشار اللافت لمحال الحرفيين الذين يعملون في صناعة الأثاث المنزلي المصنوع من عيدان الخيزران، الذين كانوا يتسابقون ويتنافسون على تزين واجهات محالهم بأبدع منتجاتهم اليدوية التي كانت تبدو للمتسوق وكأنها لوحة فنان جميلة.
والآن، هذا المشهد المرتبط بالإرث الفلسطيني اختفي تماما بشكل مفاجئ.
أيام الازدهار..هل ستعود؟
انتشرت صناعة الخيزران في قطاع غزة مطلع القرن التاسع عشر، وازدهرت مطلع ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. ولا يكاد يخلو اى بيت غزى في هذه الفترة الزمنية من منتج الخيزران.
في مدينة خان يونس أبو جمال الأيوبي، الحِرفي الوحيد الذين مازال يمتهن هذه الحرفة التراثية. فى حواره مع دويتشه فيله يقول: "جئت من غزة إلى خان يونس من أربع سنوات بعد توقف كافة الحرفيين فى خان يونس عن مزاولتها"، مضيفا: "كلهم أغلقوا محالهم ومصانعهم إلا أنا هنا". وعند سؤالنا عن سبب ذلك؟ أجاب بأنه ورث هذه الحرفة من والده ويعمل بها منذ 28 عاما في المنطقة الصناعية شمال قطاع غزة.
وأشار" إسرائيل أغلقت المنطقة الصناعية عام 2005وصرنا عاطلين عن العمل". فسألناه باندهاش؟ ما علاقة ذلك بباقي الحرفين خارج المنطقة الصناعية؟ فأجاب مع ارتسام ملامح الضيق على وجهه:" إحنا بنشتغل حسب الطلب يعني كيف نصدر؟ ولمين نبيع؟..كنا بنبيع للضفة ولإسرائيل والخارج هلقيت (الآن) كل هذا واقف". موجها سؤاله:" أيام الازدهار هذه هل ستعود؟".
أسباب متعددة لتهاوي الحرفة
وأثناء حديثنا مع أبوجمال انهمك في عمله بسرعة كبيرة وكان يساعده احد العاملين معه، عازيا ذلك إلى اقتراب موعد قطع الكهرباء، مبينا "انقطاع الكهرباء في قطاع غزة عشر ساعات يوميا من أكبر المشاكل اللي بنواجها"، مشيرا أن ذلك سيتطلب أياما مضاعفه للإنتاج ما يسبب له خسائر وإحراجات مع زبائنه.
وأثناء الحديث اقتربت الساعة الثانية والنصف ظهرا فانقطع التيار الكهربائي، وقال: "الآن بنتكلم براحتنا خَلَص وقف الشغل لبكرة". فسألته عن معوقات أخرى؟ وبيَنَ أن منع إسرائيل منذ خمس سنوات إدخال المواد الخام لحرفته هي المعوق الأكبر، منوها: "كل الخيزران والدبابيس بنجيبها عن طريق الأنفاق وهذا بكلفنا كثير".
وأشار إلى ستة أنواع من الخيزران المُهرب يتم استخدامه كالمَطوي الذي يوضع في الماء، والمَلكان العُود والمُقشر الذي يُثني بالنار والقش والأَمُويل والفرعوني. أما محمد الدالي الذي ترك وآباؤه هذه المهنة يشير لدويتشه فيله أن المنتج الصيني من الخيزران رغم رداءته إلا انه انتشر في الأسواق لتدني أسعاره عن المحلي مبينا :"انه من بين أسباب تهاوي تلك الحرفة".
البعض مازال متمسكا بشراء منتج الخيزران
يُلاحظ أن الحرفيين المُتبقيين فى القطاع ينتجون حسب طلب المُستهلك المحلي الذي بات يقبل على الأثاث المصنوع من الأخشاب. وبينما نحن فى أحد محال الخيزران جاء أبو محمد الرقب ليشترى طقم كراسي خيزران من تسعة قطع، القطعة بنحو (60دولار) مشيرا :" كراسي الخيزران شكلها احلي وخفيفة النقل و بتعيش سنيين وبتقاوم الماء وصعبة الكسر وعندي طقم كراسي خيزران من خمسين سنة". معتبرا إياها من الصناعات التراثية الفلسطينية التي تتوارثها العائلات والتي يجب التمسك بها والمحافظة عليها. مختتما حديثه :" كانت وما زالت صناعة الخيزران ارق واحلي من الخشب..زمان كان فيها بركة و العِرسَان بيقعدوا على كراسيها.. الآن تغير الوضع للأسف".