بعد عامين ونصف العام، قضاها رئيس بعثة المفوضية الأوروبية فى مصر، السفير مارك فرانكو، عاصر خلالها نهايات عصر مبارك وثورة 25 يناير، يرى فى نهاية مدته أن أهم تغيير طرأ على المجتمع المصرى هو الحرية التى بدأ يشعر بها الشعب، الذى أصبح له صوت قادر على المطالبة بحقوقه. ويرى فرانكو فى حواره مع «الشروق» أن المؤسسة العسكرية، رغم أنها لم تنتخب ولا تتمتع بالشرعية فإنها قامت خلال الفترة الماضية بأقصى ما تستطيع القيام به وفقا لقدراتها لتنفيذ خطة الانتقال وإجراء الانتخابات التى جاءت ببرلمان، رغم بعض المخالفات، فإنه يعبر عن إرادة المصريين الذين يرى أنهم وحدهم القادرون على التحول ببلادهم نحو الأفضل. ● بعد مدة عامين ونصف العام قضيتها فى مصر، شاهدت عصر مبارك فيها، كيف تجد الفرق بين الفترتين؟ الفرق الأساسى هو أن مثل هذا السؤال ما كان ليسأل أثناء حكم مبارك، أى أن هناك اختلافا فى أداء المواطنين، من حيث الحالة والمجتمع، هذه هى الاختلافات الأساسية بالنسبة لى. الخوف لدى الناس من التعبير عن أنفسهم والحديث والتجمع تبدد، ولم يعد هناك خوف من الحكومة، وهذه بداية العملية الديمقراطية. الأمر الثانى وهو انعكاس يتمثل فى العملية الانتخابية التى جرت، شكلت حدثا كبيرا فى الطريق نحو الديمقراطية، حيث تمت بشكل جيد، بمعنى أنه كانت هناك أخطاء، وأحداث، وتجاوزات مختلفة، لكن بشكل عام يمكن القول إن الانتخابات ونتيجتها تعكس ما يريده الناس، كل الأحزاب قامت بأشياء لا يجب القيام بها، كالدعاية أمام مقار الاقتراع وغيرها، لكن بشكل عام العملية تقود نحو برلمان يعكس إرادة الشعب، وهذا أمر مهم جدا.
الأمر الثالث أنه للمرة الأولى فى تاريخ مصر كل الشعب شارك فى العملية الانتخابية، فمن قبل كانت السياسة أمر يخص أقلية صغيرة تقتصر على الحكومة والبرلمان والنخبة السياسية، ولا تمتد إلى الأعداد بالملايين من المصريين فى مناطق مختلفة من البلاد.
60% من الناس صوتوا فى الانتخابات، وهذا معناه أن جزءا كبيرا ممن لم يشاركوا من قبل فى الحياة السياسية ذهبوا إلى لجان الاقتراع وصوتوا وشاركوا.
● لكن هل هذا يعنى أن النظام تغير؟ لا أعتقد، لكنه يتغير، أثق من أنه سيتغير أكثر على المدى القصير لأن ما ذكرته يعنى أن الموقف لا يمكن أن يعود لما كان عليه من قبل. العلاقة بين الشعب والحكومة، وأداء الناس كمشاركين فى العملية الانتخابية، باعتبارهم قادرين على تحديد مستقبل بلادهم، هذا التغيير فى الأداء جوهرى، وأيا كان ما تبقى من عناصر النظام السابق التى لاتزال فى الاقتصاد أو الإدارة أو الأمن، ستكون تحت الضغط من الناس الذين أصبحوا مواطنين واعين بحقوقهم وسيواصلون المطالبة بحقوقهم ويجبرون الحكومة على أخذ ما يقولون فى الاعتبار.
وهذا التحول سيستمر، ولن يكون سهلا، سنرى العديد من الحوادث، وبالفعل رأينا العام الماضى أحداثا دموية ومؤسفة، حيث تم قمع المتظاهرين بطريقة وحشية، مما تسبب فى موت الكثيرين بدون داع، وكذلك فى طريقة تعامل قوات الأمن مع منظمات المجتمع المدنى التى كانت لديها مشاكل فى علاقتها مع الحكومة، هذه أشياء تحدث، ونأسف لها، وقد أبدى الاتحاد الأوروبى خلال الفترة الماضية قلقه بشأنها، لكن من وجهة نظرى فى مستقل تطور العلاقة بين المواطن والدولة هذه الأحداث ستختفى، وسيحل محلها الحوار الطبيعى بين الحاكم والمحكوم.
● بعد نتيجة الانتخابات هل لديكم قلق من صعود التيار الإسلامى وتأثيره على العملية الديمقراطية؟ لا أعتقد أن هناك تعارضا بين الإسلام والديمقراطية، لذا لا أرى مشكلة بشأن مزيد من التطور نحو الديمقراطية فى مصر وانتشارها، حتى فى وجود أحزاب إسلامية فى الحكومة، فالأحزاب الإسلامية يمكن أن تكون شديدة الديمقراطية أو راديكالية، والأحزاب المسيحية والاشتراكية فى أوروبا يمكن أن تكون ديمقراطية أو استبدادية، الأمر لا علاقة له بطبيعة الأحزاب وإنما بالنظام السياسى.
بالنسبة للاتحاد الأوروبى، سنعمل مع الحكومة المنتخبة، حتى لو بأغلبية من الأحزاب الإسلامية، وسنطور معها أشكال العمل فى مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة التى تعود بالنفع على كل من مصر والاتحاد الأوروبى، وهذا هو ما تعنيه سياسة «مزيد للمزيد» التى أعلنها الاتحاد الأوروبى، أى أنه على مصر أن تختار إلى أى مدى تريد أن تذهب فى التعاون مع أوروبا. إذا كانت مستعدة لبدء التفاوض مع الاتحاد الأوروبى بشأن اتفاقية تجارة حرة شاملة، نحن مستعدون من جانبنا لكن هذا يتطلب التزام من الجانبين لتحرير التجارة ووضع الآليات لتشجيع التجارة والاستثمار.
● فى رأيك: كيف ترى تأثير الوضع السياسى والأمنى على مناخ الاستثمار فى مصر، ما هى الخطوات التى يمكن أن تشجع المستثمرين الأوروبيين لإقامة مزيد من المشاريع هنا؟ ما يشجع المستثمرين الأوروبيين للعودة بالأعداد وحجم والاستثمارات السابقة، هو عودة المستثمرين المصريين إلى الأنشطة الاقتصادية كما كانوا. أعتقد أن ما ينظر له المستثمرون الأوروبيون فى المقام الأول هو الحالة الأمنية التى تجعل المصريين أيضا غير راغبين، وأيضا الحالة السياسية وعدم الثقة فى الوضع الاقتصادى، والسياسية الاقتصادية المستقبلية للحكومة. أعتقد أن أول مهمة للحكومة، يجب أن تكون العمل على تحسين الموقف الاقتصادى والسياسى والأمنى، بالإضافة إلى التشريعات التى تخلق المناخ المريح للمستثمرين لإقامة مشاريع جديدة سواء مصريين أو أجانب.
وهنا أود أن أشير إلى شىء، فأنا أعرف أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتعاون الدولى، لكن لدى تعليقا عاما على هذا. المصريون لديهم أداء متباين فى هذا الشأن، فمن جهة مصر دولة أهلها فخورون بها ويريدونها قوية، وكذلك الحكومة تضعها فى الصدارة تؤكد أهميتها، لكن على الجهة الأخرى كلما طرأ أمر ما تجد يد أجنبية، سنجد من يقول إن الثورة تمت بتأثير خارجى، هناك تدخل أجنبى تسبب فى أحداث ميدان التحرير، هناك تأثير أجنبى على منظمات المجتمع المدنى لذلك تمت مداهمتها، وكذلك الاستثمارات الأجنبية هى التى ستطور مصر. إما نعم أو لا، إذا كنتم دولة قوية ويمكن أن تقوموا بكل شىء بأنفسكم فافعلوا ذلك، لكن لا تلوموا الأجانب أو تطلبوا منهم أن يأتوا ليطوروا بلادكم.
● هل لديك ملاحظات على أداء الحكومة فى الفترة الماضية؟ وهل لديك نصائح تسديها للمصريين خلال الفترة القادمة؟ الوضع الموجود منذ الثورة كان صعبا جدا، حيث إنه من ناحية هناك تطور للديمقراطية ومجتمع منفتح غير سلطوى، وعلى الجهة الأخرى لم يكن لديكم لسنوات المؤسسات التى يمكن أن تتعامل مع وضع السياسات فى مجتمع منفتح وديمقراطى. فعلى سبيل المثال لديكم الجيش الذى لا يملك الشرعية ولم يتم انتخابه، تم تعينه من قبل حاكم سلطوى قبل تنحيه، لكن من وجهة نظرى، لقد أدار العملية التى أدت إلى الانتخابات ووضع الدستور بصورة جيدة جدا، فى حدود ما يمكن القيام به فى هذا الوضع الصعب، ورغم الأحداث المؤسفة التى وقعت.
أما الحكومة فهى انتقالية، ماذا تتوقع منها فى إطار التغييرات الجوهرية، هذا يتعارض مع اسمها كحكومة انتقالية، كل ما يمكنها القيام به هو الحفاظ على وحدة البلاد واستمرار الاقتصاد والإدارة، وأعتقد أنهم قاموا بذلك، ولا يمكن أن أنتقدهم على عدم وضع استراتيجية اقتصادية جديدة، هذا يتعارض مع مهمتها كحكومة انتقالية، لذا اعتقد أنهم قاموا بأقصى ما فى وسعهم، ورغم كل التغييرات حافظوا على العملية مستمرة.
أما الطرف الثالث من مثلث السلطة، فهو الشارع أو الميدان، حاولوا باستمرار توصيل صوتهم بشأن ما يحبون وما لا يحبون، وكيف يرون التطور فى البلاد، ولعبوا دورا كبيرا، فى التعبير عن رؤيتهم وأهدافهم السياسية من أجل مجتمع جديد يتمتع بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لكنهم غير قادرين على صياغة أكثر دقة لمعنى ما يريدون وكيفية تحقيقه.
● هل جرى حديث بين الاتحاد الأوروبى وبين أحزاب الحرية والعدالة، والنور حول وضع الأقباط وحقوقهم؟ أجرينا حوارا مع الحرية والعدالة والإخوان المسلمين لفترة طويلة الآن وفى الماضى، ولنا اتصال أيضا بالنور، وناقشنا الأمور السياسية المختلف معهم، والرد الذى حصلنا عليه من كليهما، هو أنه لن يكون هناك قيود على حرية العقيدة فى مصر، وهذا أيضا نفس ما يردده المسئولون فى الكنيسة بأنهم ليسوا قلقين، وأنهم واثقون من أن الحكومة ستستمر فى حماية حرية العقيدة فى مصر. بالطبع هذا أمر يخص المصريين لتحديده، وبما أن هناك تأكيدات من كل الأطراف أن حرية العقيدة ستحترم، لا يوجد لدينا داعٍ للقلق.