فى الوقت الذى بدأ فيه أعضاء الأحزاب (ذات المرجعية الإسلامية) الاحتفال واستنشاق نسمات النصر، بعد نتائج المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية فى أول انتخابات برلمانية تجرى بعد ثورة 25 يناير، كانوا هم فى غياهب السجون يواجهون لوائح الاتهام بقتل المتظاهرين وسرقة المال العام. بعد تبدل الحال، وانتقال السلطة المتوقع من أيديهم إلى أيدى التيار الإسلامى الذى عملوا على قهره وتهميشه طوال فترات حكمهم.. كيف قرأت حكومة بورتو طرة نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ «الشروق» طرحت التساؤل على أساتذة الطب النفسى المتخصصين، للاقتراب من مشهد ربما جمع «أباطرة نظام مبارك، وحماة مشروع التوريث الذى أجهض بعد سنوات من تدبيره»
فى البداية يرى الدكتور وائل أبو هندى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الزقازيق أن نظام مبارك وحاشيته «كانوا مؤمنين تماما أن كل ما يفعلونه هو الصحيح، نتيجة انفصالهم الشديد عن الواقع السياسى والمجتمع المصرى، وبالتالى هم لديهم إحساس رهيب بالقلق الشديد والخوف على مستقبل مصر، من صعود التيار الإسلامى لسدة الحكم»، مضيفا: «هما شايفين إن إحنا هنودى نفسنا وهنودى البلد فى داهية» بحسب نص تعبير أبو هندى.
وتابع أبو هندى: «أعضاء حكومة طرة لديهم اعتقاد راسخ بأنهم أصحاب الحق الأصيل فى حكم البلد، نتيجة النظرة الاستعلائية التى كانت موروثة لديهم، وهو ما يتضح فى بعدهم وانعزالهم عن الناس، حتى أقرب المقربين لديهم، بدليل أن الرئيس المخلوع حسنى مبارك (كان بايع أهله)، وانقطع عن زيارتهم والتواصل معهم».
وفسر أبو هندى نظرة حكومة طرة إلى اختيارات الشعب المصرى فى الانتخابات البرلمانية بأنها «نظرة لائمة للشعب على (خيبته التقيلة) لأنها أتت بالإسلاميين، الذين عمل النظام السابق على حماية المصريين منهم، ومن تفكيرهم الرجعى والظلامى، من وجهة نظرهم».
ورجح أستاذ الطب النفسى أن «يساهم نجاح الإخوان ووصولهم للبرلمان فى زيادة ثقتهم فى أنفسهم وجماعتهم، وهو ما سيكسبهم هدوءا فى التعامل مع القضايا الوطنية، وهو ما سيترجم إلى تواضع سياسى من الإخوان.
وقال الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة: «التاريخ يتبدل بالجملة كما قال ابن خلدون، وهو ما يتضح من انتقال الإخوان المسلمين خاصة والتيار الإسلامى بشكل عام، من خانة الضعيف المظلوم إلى أن يكون من ظلموهم وقمعوهم طوال عقود، فى السجون الآن يواجهون لوائح الاتهامات».
وتابع زايد:«نظرة نزلاء طرة، هى بكل تأكيد نظرة سلبية لما يجرى، لأن كل التحولات فى مصر من بعد الثورة ليست فى صالحهم، وهم وراء القضبان.. إنهم الآن لا يلومون أنفسهم على ما فعلوه، بالعكس الفكرة المسيطرة على تفكيرهم الآن أنهم لو كانوا استمروا فى الحكم، لكانت الأمور أفضل مما هى عليه الآن، لأن فترات حكمهم هى أفضل فترات الحكم وأحسنها، وشخصياتهم هى أفضل الشخصيات التى تقود البلاد»، مرجعا السبب فى ذلك إلى أن «النفس البشرية لا تستسلم للوم وتأنيب الضمير، والمصريون بشكل عام لم تتم تربيتهم على التأمل الذاتى الشفاف، الذى يعلى من قيمة النفس.. ما عندناش التأملية الانعكاسية الشفافة».
وشبه زايد حب السلطة فى المجتمعات النامية، بأنها «حالة تلبس تشبه تلبس الجان بالإنسان، بتحول حاله من حال إلى حال مغاير تماما، فى طريقة الأكل والملبس وحتى طريقة خطوات المشى».
فى حين قسم الدكتور محمد المهدى، رئيس قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر، نظرة أهل طرة إلى ما جرى فى الانتخابات إلى 5 تفصيلات: «أول ما سيخطر ببالهم هو اللوم والتساؤل الموجه إلى أمريكا والغرب، الذى أنكر جميلهم فى منع سيطرة الإسلاميين على السلطة، قبل أن تتم التضحية بهم بعد أن كانوا صماما لأمان المصالح الغربية فى المنطقة»، معتبرا توجهم إلى أمريكا والغرب «منطقيا لأنهم شغلوا أنفسهم فى سنين حكمهم بالحرص على نيل الرضا الغربى دون أن يخاطبوا شعوبهم».
وتوقع المهدى «شعورا عارما مسيطرا على نزلاء بورتو طرة بعدم الأمان والقلق من وجود حكومة جاءت بطريقة ديمقراطية لن تحابيهم وستعاملهم بالعدل والإنصاف على كل ما اقترفوه فى حق الشعب المصرى من سرقة ونهب ثرواته وإفقاره وإمراضه خصوصا بعد أن همشوا التيارات الإسلامية وقمعوها بعنف خلال سنى حكمهم، وبعد أن تعودوا على المحاباة وإغماض العين وغض الطرف عن الكثير من جرائمهم، متوقعا أن تكون هناك محاكمات جادة وحيادية بعيدة عن روح الانتقام.
وتنبأ ب«ضلوع بعض نزلاء طرة فى مؤامرات ودسائس من أجل إفساد العملية الانتخابية فى مرحلتيها الثانية والثالثة، وتلغيم الأجواء السياسية فى البلد، دفاعا عن مصالحهم التى اهتزت بشدة»، متوقعا أن يكونوا «تورطوا عن طريق بعض رجالاتهم ممن هم خارج السجون فى بعض الأحداث الأخيرة التى شهدتها البلاد، لأنهم يشعرون بالأمان أكثر فى ظل حكم العسكر».
وتوقع كذلك «حالة من الشماتة القوية من ساكنى طرة ضد القوى الليبرالية واليسارية المصرية، بعد أن ساهموا بقوة فى إسقاط النظام، قبل أن تأتى الانتخابات بأغلبية برلمانية إسلامية».
واستبعد المهدى تماما، أن «يندم أحد من ساكنى طرة على ما فعلوه طوال فترات حكمهم فى الشعب المصرى، بسبب الحيل الدفاعية النفسية التى يمارسونها مع أنفسهم.. وإن كان الندم سيعتصرهم بسبب عدم اتخاذهم إجراءات كافية تحمى كراسيهم ومناصبهم»، مضيفا: «مبارك سيكون أشدهم ندما، ومراجعة لنفسه على سقوطه من الحكم بهذه الطريقة، وسيراجع نفسه ألف مرة على الفرصة التى أتاحها لزوجته سوزان ثابت، ونجله جمال بالتدخل فى شئون الحكم، والاستماع لهما ومسايرته لهما فى توريث الحكم لنجلهما جمال، ليس إحساسا بخطئه لتجاهله أصوات الشعب المصرى الرافضة للتوريث، وإنما حزنا وكمدا على ضياع تاريخه السياسى والعسكرى بهذه الطريقة».