عندما خرج المصريون إلى الشوارع، لم يطالبوا فقط بالديمقراطية. الأوضاع الاقتصادية في البلد كانت في غاية السوء. وكان المواطنون يطالبون بالحق في السكن والعمل، وبدخل يسد احتياجاتهم. كثير من المصريين لا يمتلك ما يكفي من المال لمراجعة الطبيب عند المرض، أو لإرسال الأطفال إلى المدارس. منذ ثورة يناير رأى المصريون الأسعار وهي تزداد غلاءً، والبطالة في صفوف الشباب تبلغ معدلات قياسية. سوء الأوضاع الاقتصادية في مصر يعود بشكل أساسي إلى فشل سياسات السوق والنظام الضريبي. يعتمد الاقتصاد إلى حد كبير على قطاعات قلقة وضعيفة. إلى جانب ذلك فإن النفقات الحكومية تأخذ قسما كبيراً جدا من الموارد على حساب حصة المواطنين. ومع حالة عميقة من انعدام المساواة الاقتصادية- الاجتماعية، فإن كل هذه العوامل تشكل وصفة جاهزة للاضطرابات السياسية.
المال.. ثم المال "الذين في السلطة عليهم أن يفهموا هموم رجل الشارع" يقول عامل مصري، يعمل في رصف الشوارع. ويقول آخر: "لا يهمني سوى المال، ثم المال، ثم المال." بعد احتجاجات يناير العنيفة وخلع الرئيس السابق حسني مبارك، فإن الناخب المصري يتوقع من أحزابه أن تقدم له حلولاً واضحة لأزمته الاقتصادية. لكن معظم الأحزاب لا تقدم سوى كلاماً عاماً، وبعضها لا يقول أي شيء في المجال المهم.
قام الفريق الأكاديمي في مشروع بوصلة الناخب – مصر، طوال الأشهر الماضية بدراسة متعمقة لبرامج الأحزاب السياسية المصرية، ووثائقها الرسمية وتصريحات قادتها، على ضوء ثلاثين أطروحة تتكون منها "البوصلة. بوصلة الناخبين هي مشروع أكاديمي ترعاه إذاعة هولندا العالمية وعدد من الشركاء الإعلاميين والأكاديميين في مصر، يقدم للناخب المصري أداة مبسطة تساعده على فهم البرامج السياسية للأحزاب، ومدى تطابقها مع توقعاته وتوجهاته. الخلاصة التي توصل لها الفريق الأكاديمي: هناك فراغ كبير في البرامج الحزبية عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية.
أجوبة عمومية في بوصلة الناخب التي أعدها الفريق الأكاديمي خصيصاً للانتخابات المصرية، هناك 13 سؤالاً تتعلق بالسياسة الاقتصادية، من مجموع 30 سؤالاً. لكن الفريق لم يعثر على أجوبة ملموسة على هذه الأسئلة في برامج الأحزاب. سؤال واحد فقط عثرنا على إجابة عليه في برامج جميع الأحزاب ألاثني عشر المدروسة. والسؤال هو: ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية؟ وحتى هنا كانت الأجوبة شديدة العمومية. وحين تكون الأسئلة أكثر تخصيصاً، حول دور القطاع الخاص في مجالات مثل التعليم، الرعاية الصحية، مكافحة البطالة، فلا نعثر على جواب.
طرحت البوصلة أيضاً السؤالين التالييع عن قضايا محددة: هل يجب أن تستمر الحكومة بدعم اسعار الوقود؟ وهل يتعين على الحكومة أن تفرض ضريبة العقارات للمساعدة في حل أزمة السكن؟ "اذا اختفى الدعم الحكومي للوقود فلن اكسب شيئاً مهماً من عملي" يقول سائق سيارة أجرة في القاهرة، ويضيف: "وكل شيء أصبح غالياً الآن". لكن خبراء الاقتصاد في المقابل يؤكدون أن الحكومة لن تكون قادرة على تحمل نفقات دعم الوقود والمواد الأساسية.
عبارات عامة بلا حلول على ضوء هذين السؤالين المحددين، حول دعم الوقود، وسوق العقارات، يمكن معرفة ما إذا كانت الأحزاب المصرية تمتلك رؤية واضحة للسياسة الاقتصادية. يُفترض أن تطرح الأحزاب حلولاً عملية لمشكلتي اسعار الوقود وأزمة السكن، أو على الأقل تحليلاً جاداً وعميقاً لتأثير هاتين المشكلتين على الطبقة الفقيرة.
للأسف لا يظهر أن الأحزاب تمتلك جواباً علا هذه المسائل التي تشغل بال معظم المصريين. فقط حزب المصريين الأحرار، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، طرحا أجوبة واضحة على سؤال دعم الحاجات الاساسية. حزب الوفد طرح رأياً حول الموضوع، ولكن دون توضيح السبل العملية الكفيلة بتطبيق هذا الرأي. في ما يخص أزمة السكن، نجد شيئاً مشابهاً: الديمقراطيون الاجتماعيون، وحزب الوسط، وحزب الغد، لديهم مقترحات سياسية، حزب الوفد لديه رأي بالموضوع فقط. وينطبق هذا الحال على الأحزاب الأخرى: عبارات عامة، دون محاولة، لتقديم تصورات عملية وحلول ملموسة.
السؤال الأهم هناك حزبان فقط تميزا برؤية واضحة في ما يخص البرنامج الاقتصادي: حزب الأحرار المصريين، والحزب الديمقراطي الاجتماعي. في المقابل يقدم التحالف الاشتراكي رؤية اشتراكية واضحة. مع ذلك فلا يبدو أن هناك أي حزب يقدم حلولاً ملموسة للمشاكل الاقتصادية- الاجتماعية في مصر. لا ننس هنا أن الأحزاب لم تمتلك الوقت الكافي لتطوير سياسة اقتصادية متكاملة. إلى جانب ذلك، فهذه الأحزاب ربما لا تعرف بالضبط ما الذي سيواجهها بالضبط مما خلفه عهد مبارك من مشاكل متراكمة، لذلك فهي لا تستطيع بهد طرح الحلول لمشاكل لم تتضح طبيعتها بعد. وبالرغم من هذه المبررات، فإن الأحزاب كان عليها أن تبذل جهداً أكبر لصياغة جواب على السؤال الأهم بالنسبة للمصريين: كيف ندبر أموورنا في المستقبل؟
هل تريد أن تتعرف على الآراء والتصورات التي تقدمها الأحزاب المصرية في المجال الاقتصادي، اذهب إلى بوصلة الناخل- مصر: www.bosala.org