واحدة من الوجوه التى ظهرت بقوة على الساحة ضمن المطالبين بتطهير الإعلام الرسمى كانت المذيعة السابقة بالتليفزيون المصرى هالة فهمى، فطالما عارضت الفساد وتعطيل الكفاءات وغياب المهنية الذى يعانى منه الجهاز الإعلامى المعروف باسم «ماسبيرو». وتقول: «كنت أقابل بالتجاهل أو الخصم والتحويل إلى التحقيق، حتى فقدت الأمل تماما وتوقفت عن تقديم البرامج منذ عام 2009». غالبية البرامج التى قدمتها هالة فهمى مثل «إحنا قلوب بتحبك» و«جميلة يا بلدى» كانت موجهة للأطفال بعيدا عن السطحية فى التعامل معهم: «طوال عملى مع الأطفال واجهت تحديات صعبة، أنا أحب الأطفال كثيرا ودرست العلاج السلوكى الخاص بهم، وحاولت المساهمة فى بناء شخصية سوية مفكرة وواعية بما حولها، وكانت تقارير أمن الدولة هى مقابل هذا السعى، فلقد تم اتهامى بأنى أحرض الأطفال على الخوض فى السياسة، حين تركتهم فى إحدى حلقات البرنامج يتحدثون عن أطفال فلسطين، وحين أشرت إلى تكاليف الدراسة الباهظة بالمدارس الخاصة».
بعد سنوات من اليأس رأت هالة بعينيها الشباب وهم يثورون ضد الظلم، الشباب الذى كان من بينهم أطفال حضروا فى برنامج لها وظلت على علاقة، كما تقول: «كدت انتهى من رسالة الدكتوراه حين اندلعت الثورة، ولكنى شعرت أن لا قيمة لها مقارنة بالعمل المطلوب حاليا، لقد تيقنت أن الأمل فى بناء الجيل الصغير، والآن أتمنى أن أنشئ قناة خاصة بالأطفال لأساهم فى تشكيل الجيل الذى سيتمتع حقا بإنجازات الثورة، لقد رأيت أطفالا يتظاهرون داخل المدرسة مطالبين بحقهم فى كرة يلعبون بها وفى فسحة اليوم الدراسى.. وفى تقديرى مثل هذا الوعى والجرأة من أهم إنجازات الثورة، لقد كان يصطحبنى إلى الميدان ابنتا أختى اللتان لم تتجاوزا 8 سنوات وكانتا تهتفان بقوة واكتسبتا وعيا لم أكن أتخيله». كانت هالة فاقدة الأمل فى كل شىء فى السياسة وفى إصلاح الفساد التليفزيون وفى قدرتها على تحقيق حلمها، لكنها الآن مؤمنة بما سمته «قوة الحق» التى يمتلكها الناس. «كنت أكره السياسة قبل الثورة، أما بعدها فقد أخذت على عاتقى دورا فى التوعية السياسية، فحتى يقوم الإعلام بدوره على الإعلاميين أن يستغلوا مصداقيتهم لدى الناس للمساهمة فى التوعية السياسية، لذا فبالاشتراك مع مجموعة أخرى من الزملاء نجوب بعض القرى والمدن والمحافظات لمناقشة الناس فى حقوقهم وآرائهم وفى السياسة بشكل عام».
تشير هالة فهمى كذلك إلى أنها لم تكن وحدها التى استعادت الأمل ولم تكن وحدها التى أعادت اكتشاف ذاتها بل هذا ما حدث مع العديد من المصريين، تحكى هالة قصة صديقتها التى تغيرت تماما بعد الثورة قائلة: «كنت سأخسر صديقة عزيزة على بسبب موقفها من الثورة وبالطبع كان ذلك نتيجة لاستماعها لما يقوله التليفزيون المصرى، وكانت تتصل بى منزعجة مما نفعل بالميدان، حتى قررت أن أقابلها بمجموعة من شباب الثوار، ومن وقتها لم أتمكن من إخراجها من الميدان، فلقد تحولت إلى ناشطة بالعمل الأهلى والحزبى».
[2] حسن مالك.. عندما قابل وزير الداخلية فى السجن
مع اندلاع الثورة كانت البداية الجديدة لمن كانوا معتقلين خلف أسوار السجن إذ تم الإفراج عنهم أخيرا، وأحد هؤلاء هو حسن مالك رجل الأعمال والقيادى فى جماعة الإخوان المسلمين.. ففى عام 2006 تمت إحالته هو وحوالى أربعين آخرين من قيادات الإخوان المسلمين إلى القضاء العسكرى بعدة تهم، كانت أولها قيادة جماعة محظورة تعمل على قلب نظام الحكم وتعطيل العمل بالدستور. وعلى الرغم من حصولهم على البراءة أمام المحاكم المدنية، إلا أنه أحيل وباقى القيادات إلى المحاكم العسكرية الاستثنائية، وصدر حكم ضده فى 2008 بالسجن 7 سنوات ومصادرة أمواله هو وأسرته.. وفى مارس 2011 أى بعد أيام من سقوط مبارك، كانت البداية الجديدة حين تم الإفراج عنه، يحكى حسن مالك تلك التجربة قائلا: «لم أكن وحدى المسجون، بل كانت البلد بأكملها فى السجن، فقد كنت أخبر الضابط السجان بأنه مسجون فى زيه الذى يرتديه، لو كنت خرجت قبل الثورة، لكنت خرجت من سجن لآخر». ثم يستكمل حديثه: «لكن بدون الثورة، لما كنا خرجنا أبدا، لقد كنت أتابع ما يحدث على الساحة من داخل المعتقل، وتوقعت بعدما حدث فى انتخابات مجلس الشعب لعام 2010، أن نظاما بهذا الغباء والظلم سوف يقع، لكنى فى الحقيقة كنت يائسا، وكان لدى شعور بأننى سأظل عاجزا عن المشاركة فى العمل من أجل بناء هذا البلد.. مع أول يوم مظاهرات وكسر حاجز الخوف وخروج هذه الأعداد إلى الشارع ثم سقوط أول شهيد تيقنت أن تلك الثورة سوف تنال النجاح».
وأضاف عن لحظة مواجهته بسجانه حين تم تحويل حبيب العادلى وبعض أفراد النظام السابق إلى نفس السجن الموجود به حسن مالك: «قلت لحبيب العادلى حين رأيته بالسجن إننى دعوت الله منذ سجنى أى منذ أربع سنوات أن يذيقك من نفس الكأس التى أذقتنى إياه، وها أنت هنا على حق، بينما دخلت أنا هنا على باطل». وبالفعل خرج مالك وآخرون من المعتقلات وسأله ضابط فى السجن قبل خروجه بأيام عن سبب ابتسامته العريضة لأول مرة منذ حضوره إلى محبسه، فرد مالك أنه على يقين أنه خارج من هنا، وأشار مالك: «الثورة لم تبدأ يوم الخامس والعشرين من يناير بل كانت بدايتها منذ سنوات واستمرت مع تضحيات عدة وتراكم لمعاناة شديدة وجهاد وقمع وبطش، ولكى تكتمل فعلى الجميع بمرجعياتهم المختلفة أن يتوافقوا الآن على مطلب الحرية والدولة المدنية، نحن فى مركب مثقوب ومهدد بالغرق ولم يصل بعد إلى شاطئ الأمان، والتوافق هو بداية الطريق نحو شاطئ الأمان». ويعود مالك أخيرا إلى لحظة خروجه من السجن قائلا: «عند خروجى من السجن شعرت أن تحررى ضئيل مقارنة بتحرير مصر، وأصبح من واجبى أن أعمل أربع وعشرين ساعة يوميا، كى أساهم فى بناء هذا البلد».
[3] محمود حسن.. أخيرًا أصبح لديه جنسية
سبع سنوات مرت بين صدور قانون منح الجنسية للأبناء من أم مصرية وأب فلسطينى وتنفيذه فى مايو 2011، أى بعد قيام الثورة بأربعة أشهر.. بداية جديدة للشاب محمود حسن محمود بعد انتظار دام عشر سنوات لكى يحصل على جنسية والدته، رغم أنه ولد فى مصر من ستة وعشرين عاما بمحافظة البحيرة.. إقامته الدائمة فى القاهرة والقانون رقم 154 للعام 2004 الذى نص على إعطاء الجنسية المصرية للأبناء من أم مصرية وأب أجنبى دون أن يستثنى أحدا، لم يشفعا له فى السابق، إذ لم يتمكن فى حياته من زيارة فلسطين لأنه ببساطة كان بدون جنسية، وهو يوضح: «كنت لا أملك جنسية فلسطينية ولا مصرية، بداية لم أتمكن من استكمال تعليمى لأننى كنت أتعامل معاملة الأجانب وأدفع مصاريف الدراسة بالعملة الصعبة، وكان الأمر شاقا على أسرتى، وحين بحثت عن عمل لم أجد لأنى فلسطينى، وفرصة العمل الوحيدة التى وجدتها فى أحد الفنادق السياحية بدهب تم رفت منها لدواعٍ أمنية، وجدت فرصة عمل بصعوبة فى السعودية، ولكن لأننى لا أمتلك جنسية قاموا بترحيلى، ولم أتمكن حتى من الرجوع إلى مصر، وبقيت فترة متنقلا بين مطارات عدة حتى انتهى بى المطاف فى السفارة المصرية بسوريا والتى أعطتنى تأشيرة سياحية للعودة إلى مصر». ويستطرد محمود حديثه قائلا: «فى كل مرة كنت أقدم فيها أوراقى للحصول على الجنسية كنت أقابل بالرفض، وحين حاولت الاعتراض أكثر من مرة والمطالبة بحقى فى الجنسية وفقا للقانون كان مصيرى الحجز والحبس فى أمن الدولة والتهديد بالترحيل، لم أتمكن من رفع قضية بسبب ضيق الحال، ولكن فى كل الأحوال حتى أولئك الذين لجأوا للقضاء لم يلاقوا سوى خيبة الأمل». اندلعت الثورة وأخذ محمود حسن عهدا على نفسه أن يشارك فى الثورة كمصرى، وحين سقط مبارك عاد إليه الأمل فى حصوله على الجنسية وبالفعل نظم حملة تحت عنوان «من حقى أن أكون مصريا»، وبدأ فى البحث عمن فى نفس حالته، جمع الأسماء، وبدأت المجموعة فى تنظيم وقفات احتجاجية وتقديم تظلمات حتى نجحوا فى النهاية فى استصدار قرار بحقهم فى الجنسية المصرية، بعد أن ظل الكثيرون منهم فى انتظار ما لا يأتى أبدا.. فقد كان وزير الداخلية السابق قد أصدر تعليمات تمنع على الأبناء من أم مصرية وأب فلسطينى، بما يخالف قانون الحصول على الجنسية المصرية، بحجة الحفاظ على الهوية الفلسطينية. وينهى محمود كلامه قائلا: «لولا الثورة لما كنا حصلنا أبدا على الجنسية المصرية، وأنا فعلا سعيد بأننى حصلت عليها دون ذل، فلو كنت حصلت عليها سابقا لما شعرت بالحرية التى أشعر بها الآن».
[4] سمية حمدى.. شاركت فى أول مظاهرة بدافع الأمومة
«كانت المرة الأولى التى أشارك فيها فى مظاهرة من أجل خالد سعيد، بدافع أمومى بحت، تخيلت أن ما حدث مع خالد سعيد كان من الممكن أن يحدث مع ابنى مروان أو أخى أو أحد أقاربى، وتأثرت كثيرا فور رؤية صورته الشهيرة إثر التعذيب»، هكذا استهلت سمية حمدى حديثها عن بدايتها الجديدة.. سمية التى تمتلك مطعما صغيرا، وتبلغ من العمر 41 عاما، اعتبرت الثورة «وش السعد عليها» لأنها تمكنت أخيرا من تحقيق حلم العمر وهو افتتاح مطعم خاص بها، لم تكن هذه هى البداية الوحيدة الجديدة بالنسبة لها، كما تقول: «انطلقت الثورة، ورأيت أصدقائى الأصغر منى سنا شايلين كفنهم على أيديهم ويشاركون فى الثورة لأنهم مش واخدين حقوقهم. قلت لنفسى لا يجوز أن أكون منفصلة عن السياسة حتى لو لم أكن مهتمة بها من قبل، فنزلت أيام الاعتصام الأول وشاركت فى أغلب الاعتصامات والمليونيات التالية». كانت سعيدة جدا بسقوط مبارك فقد عانت ضمن من عانوا فى ظل العهد البائد، خاصة حين مرضت أمها المسنة ولم يكن بإمكانها وأخيها تحمل تكاليف العلاج، وحين خرج والدها على المعاش بعد 45 سنة ومات لم تستطع الأسرة الحصول على معاشه، وتضيف: «وأنا فى هذه السن لا أجد فرصة عمل مناسبة إلا فى فترة مسائية تبدأ فى الثانية ظهرا وتنتهى فى العاشرة مساء فأضطر أن أترك ابنى وهو فى سن المراهقة دون الرعاية اللازمة.. حين شاركت فى الثورة كانت الفكرة المسيطرة على رأسى أننى أوفر حاضرا مناسبا لابنى ومستقبلا أفضل». وقد اكتسبت مع الثورة مبدأ مهما على حد تعبيرها وهو ما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا!
البداية الأخرى لسمية كانت مع أسرتها والتى كانت تمانع نزولها الاعتصام، وتعرضت للطرد من بيت العائلة بسبب عدم انصياعها وإصرارها على المشاركة بحجة أنها ليست طفلة صغيرة بل أم ناضجة، كانت ترد أن مكاسب الثورة ستعم على الأسرة بأكملها، شارحة: «على الرغم من سنى إلا أنه لم تكن لى حياة خاصة، فلقد كان من حق أسرتى أن تتدخل فى كل شئونى، ولكن حين وصل هذا التدخل لمنعى من المشاركة فى الثورة، كان على أن اتخذ موقفا حاسما، فى لحظة ما كان على الاختيار ما بين البيت والميدان، فاخترت الميدان، وكنت متأكدة أنهم سيتفهمون الأمر حين تتغير الأوضاع»، الحقيقة أنه منذ تلك اللحظة نالت استقلالها وحريتها الشخصية، فلم يكن من الممكن أن تطالب بحقوق وطن بأكمله بينما لا تستطيع الحصول على مثل هذه الحقوق فى إطار أسرتها.
[5] محمد سرحان.. وقصة حب صعيدية
لم يفت الثورة أن تكون «وش السعد» والبداية الجديدة فى الحب أيضا، محمد أحمد سرحان طالب فى كلية الهندسة يبلغ من العمر واحدا وعشرين عاما، وهو على صغر سنه إلا أنه ناشط سياسى منذ سنوات، تنقل بين تيارات ومجموعات سياسية عدة بداية بمجموعة 6 أبريل مرورا بحملة دعم البرادعى وصولا إلى مجموعة شباب من أجل العدالة والحرية.. فكان من الطبيعى أن يشارك فى الثورة منذ البداية، لكن بدايته هو يقول عنها: «كنت أحب فتاة من الصعيد منذ ثلاث سنوات وهى الأخرى كانت تحبنى تعرفت عليها حين كنت مقيما هناك، إلا أنه نتيجة لتقاليد مجتمعها تدخلت القيود العائلية فى منع هذا الحب ومنعوها من التحدث إلى ثانية. انتهت علاقتنا وبعد شهور، اندلعت الثورة وعلى الرغم من عدم اهتمامها بالسياسة، إلا أنها تيقنت من مشاركتى بالثورة، فاتصلت بى بدافع الخوف على». عادت الحبيبة السابقة لمحادثته لترى إذا ما أصابه مكروه فكانت أسعد أيام حياته، أكبر حلمين حلم بهما تحققا معا الحب والثورة، وكانت البداية الجديدة حين تمردت حبيبته على قيود عائلتها المحافظة، وعلى السلطة الأبوية التى كانت خاضعة لها، واتخذت قرارها بالتصريح عن هذه العلاقة، وإجبار الأهل على القبول بها.. وهكذا كانت البداية.