الجمعة القادمة ستكون وقفة حقيقية مع الإدارة السياسية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة للأشهر الماضية ونتائجها. وأتمنى أن نركز فى وقفتنا مع المجلس على القضايا السياسية والاجتماعية الحاكمة وعلى القرارات الأساسية التى اتخذت أو لم تتخذ، وألا نضيع جهدنا فى التداول حول أمور كشهادة المشير والتى أبدا لم أتوقع أن تأتى بإدانة مباشرة للرئيس السابق. الأخطر هو أننا عدنا إلى حالة طوارئ تمدد بقرار منفرد ومع تجاهل للقيود الدستورية. الأخطر هو أننا نواجه خطر البرلمان المفتت والضعيف مع قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى الذى أقر. الأخطر هو أننا مع غياب لجدول زمنى لنقل السلطة للمدنيين. الأخطر هو أن المجتمع يحتج ويعتصم فى معظم قطاعاته وقضايا العدالة الاجتماعية مازالت دون معالجة حقيقية أو حتى بدايات مبشرة. الأخطر هو أن بقايا الحزب الوطنى المنحل ستعود وبقوة للحياة السياسية مع الانتخابات البرلمانية وبدون قانون للعزل السياسى.
والحقيقة أن غياب رؤية سياسية واضحة للمجلس الأعلى واستعداد فعلى للشراكة مع المجتمع فى إدارة الأشهر الماضية من خلال بناء توافق مع القوى السياسية والوطنية والنقابات والمنظمات المدنية. نعم حدث بعض التقدم فى مجالات مباشرة الحقوق السياسية وتأسيس الأحزاب وقدرتها على العمل التنظيمى والجماهيرى وإنشاء لجنة عليا مستقلة للإشراف على الانتخابات. إلا أن من يسوقون للتقدم هذا على أنه إنجاز عظيم لم نكن لنحلم به، والترويج لقراءة جوهرها شوف كنا فين وبقينا فين، يتناسون أن ما حدث فى مصر كان ثورة ولم يكن مجرد مطالبة شعبية بعملية إصلاح سياسى تدرجى. كما أنهم يتناسون أن الأخطاء التى حدثت فى الأشهر الماضية تعرض مصر وتحولها الديمقراطى لأخطار كبرى، ببرلمان مفتت ربما احتل الوطنى المنحل ثلث مقاعده أو أكثر.
أمام الأحزاب والقوى الوطنية اختيارات صعبة وعليها تحمل مسئوليتها تجاه مصر وثورتها. نعم تظل المشاركة فى الانتخابات البرلمانية مهمة للغاية، إلا أن المشاركة فى ظل قانون معيب تعنى إعطاء شرعية لانتخابات ستشكل فى حصيلتها النهائية تحايلا على إرادة الناخبات والناخبين وتنتج تهديدات مباشرة لمسار التحول الديمقراطى، مطلب الثورة العريض مع العدالة الاجتماعية. خيار المقاطعة مؤلم بالقطع، إلا أن إعطاء شرعية لانتخابات لم نحدد إطارها التشريعى والقانونى فى ظل غياب الشراكة الفعالة مع المجلس الأعلى ربما كان أخطر وسيعنى أننا ومن خلال المشاركة سنضطر للاعتراف بحصاد الانتخابات حتى وإن كان برلمانا مفتتا وحزبا وطنيا مقنعا. وإن لم تتوافق القوى الوطنية على المقاطعة، فلابد من القائمة الوطنية الموحدة والاتفاق على شخصيات عامة تترشح على مقاعد المستقلين وبتأييد من الجميع بدعمهم.
أمام المواطنات والمواطنين، وأدرك تنوع المطالب والإحباطات بين السياسى والاقتصادى والاجتماعى، مسئولية الدفاع عن ثورتهم بسلمية. هم الذين صنعوها وأنجزوها، ولم يكن للقوى السياسية والشخصيات العامة إسهام يتجاوز حدود مساهمة البعض كمواطنين. الدفاع عن الثورة يقتضى الالتزام الكامل بالسلمية عند الخروج إلى الشارع، وسيلة ومساحة المواطن الحقيقية الوحيدة، كى لا يتحول الشارع والخروج إليه إلى ممارسة غير آمنة وباهظة الكلفة. الدفاع عن الثورة يقتضى الالتزام بالمطالب السياسية والاجتماعية المرفوعة والضغط من أجلها. الدفاع عن الثورة والديمقراطية يقتضى النفس الطويل والثبات على الموقف والابتعاد عن الحلول الراديكالية التى قد تسبب دائرة من العنف الخطير للغاية على مصر واستقرارها.