الشوارع خالية تقريبا إلا من نفر قليل، الفضائيات كلها نصبت استوديوهاتها لانتظار الخطاب الأول للرئيس، فجأة يخرج علينا أحد فقهاء القانون ليؤكد أن قانون الغدر والمحاكمات السياسية هى الأقرب لفكر الرئيس والحكومة، ويعدد فى الأسباب قبل أن تقاطعه المذيعة وقبل إن نسمع الصوت، صوت تصفيق شديد أحد الموجودين يرتجل شعرا، مبارك يقف ويحيى الحشد، ويبدأ فى قراءة خطابه «أيها الأخوة والأخوات، اجتزنا والحمد لله شهورا كانت صعبة ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، عاد الحق وعادت الشرعية فى دولة القانون وسوف نضرب بيد من حديد على فلول الثورة، الذين يعيثون فى الأرض فسادا، سوف نحاصرهم فى كل مكان لن نترك أحدا، سوف نعيد الاستقرار للوطن ولن تأخذنا شفقة أو رحمة من أجل هذا الوطن ومن أجل أبنائنا.. دمتم لمصر ودامت لنا مصر قوية ومستقرة». هذا المشهد هو احد كوابيسى التى أظن أنها فى طريقها لتصبح حقيقة فبعد ثمانية أشهر من قيام الثورة عاد البعض ليفسح المجال ويتيح الفضائيات لمن يؤمنون بأن مبارك زعيم للأمة، وما زال رئيسا لمصر وأن من ماتوا ليسوا شهداء، وأننا لم نر سوى الفوضى والعشوائية من الثورة، ولم نجن سوى المذلة من الأقطار الشقيقة بعد أن كانوا يحترموننا، وأخشى بعد ثمانية أشهر أخرى أن يظهر مصطلح فلول الثورة ليطفو على الأحداث بعد أن يعود مبارك، وهذه المرة سوف نراه ينتفض ويترك دور المريض وسريره ليقف أمام الجميع وهو يخطب فينا مجددا، أخشى أن يعود جمال مبارك وأحمد عز، ومن معه ليطبقوا قانون الغدر على من كانوا مع الثورة، وأن ينصبوا لهم محاكم سياسية فورية ولن يرحموا أحدا، ولن يتباطأوا ولن يتعاملوا وفقا لأى معايير سياسية أو إنسانية. سوف يضربون بيد من حديد وسوف يقضون على الجميع، وكل ثورة وأنتم بخير، أخشى أن يعودوا فنعود معهم خانعين خاضعين، أخشى وأبناء مبارك يتزايدون وداعميه يتكاثرون أن يتحقق هذا المشهد الكارثى، ولا أدرى عن أى حرية رأى يتحدث أصحاب الفضائيات، ولا أدرى لماذا يفرح صناع التوك شو عندما يحدث جدل لا طائل منه بين أحد أبناء المخلوع وبين أحد شباب الثورة ولا أدرى أيضا لماذا يوافق شباب الثورة على مواجهاتهم وإعطائهم مثل هذه الفرصة، مبارك سقط بفعل ثورة ولم يفشل فى انتخابات حتى نشكك فيها وندعم بعدها الرأى والرأى الآخر.