حالة من الغموض تحيط بأول انتخابات تشريعية بعد ثورة 25 يناير، التى كان واحدا من أسبابها الرئيسية انتخابات نوفمبر 2010، بعد أن شهدت عمليات تزوير غير مسبوقة. حالة الغموض تدفع بالبعض إلى إثارة الشكوك فى جدية المجلس العسكرى والحكومة فى إجراء الانتخابات فى الموعد المحدد سابقا: نوفمبر المقبل، بعد 40 يوما من فتح باب الترشح وبدء الإجراءات فى سبتمبر الحالى، وبالتالى عن الاستعداد لمثل هذه الانتخابات سواء من قبل الحكومة أو المجتمع المدنى. «لا أحد يستعد لحاجة لا يعرف موعدها، لا أحد فى مصر يعرف متى الانتخابات، لا يوجد موعد رسمى معلن، أنا لا أعرف هل نوفمبر 2011 أم 2012»، كان هذا رد مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهى الدين حسن، على سؤال «الشروق» عن استعداد منظمات حقوق الإنسان للانتخابات البرلمانية القادمة، مشيرا إلى أن «هناك غموضا متواصلا من اللحظات الأولى فيما يتعلق بالجدول الزمنى للمرحلة الانتقالية وهذا له أثر سلبى هائل على كل الأطراف السياسية بما فيها منظمات المجتمع المدنى». وأضاف حسن «لا أحد يعرف تاريخ الانتخابات بمن فيها رئيس اللجنة العليا للانتخابات، لا نعرف الدوائر الانتخابية، من يرشح نفسه فين، ما هى دوائر مجلس الشعب والشورى، ونطاقها الجغرافى»، متوقعا أن تواجه الأحزاب السياسية «نفس الحيرة» فيما يتعلق بالتعامل مع المرشحين المقترحين. وفى السياق ذاته تساءل حسن عما إذا كان قانون مجلسى الشعب والشورى الذى صدر مؤخرا، هو الشكل النهائى الذى سيتم بناء عليه إجراء الانتخابات أم لا، حيث قوبل بموجة من الاحتجاج من الغالبية الساحقة من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، مشيرا إلى أن هناك معلومات متداولة بأن المجلس العسكرى مازال يستمع لآراء تطلب تعديل القانون ويتلقى اقتراحات فى هذا الشأن. وحذر مدير مركز القاهرة من أن الانتخابات القادمة ستشهد حالات عنف أكثر مما كنا نشهده فى السابق، «بسبب التوظيف المتزايد للدين فى السياسة»، على حد قوله، والذى بدأ يرصده منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس الماضى. وأشار حسن إلى أن هذا التوظيف للدين فى السياسة ينتهج دعوات أو ممارسات تكفر أصحاب الاتجاهات السياسية المخالفة، «كان آخر مظهر لها الدعوات التى نسبت لخطيب مسجد القائد ابراهيم فى الإسكندرية الذى يطلب من المصلين الدعاء ضد الليبراليين والعلمانيين.. ونحن لم ندخل مرحلة الانتخابات بعد». وقال «علينا أن نتصور كيف سيكون الحال فى وقت الانتخابات، حيث ستشارك جماعات أسست أحزابا بشكل قانونى، رغم أنها نفس الجماعات التى كانت قبل 25 يناير ترفض مبدأ الانتخابات وتعتبر الديمقراطية كفرا وتعارضا مع الدين، فكيف ستمارس هذه الجماعات التى أصبحت أحزابا دورها فى الانتخابات خاصة أنها لم تعلن مراجعة فكرية لموقف ما قبل الثورة؟». «القادم مخيف فى هذا السياق»، هكذا لخص حسن الوضع كما يراه، مستبعدا أن يتخذ المجلس العسكرى أو الحكومة أية إجراءات حقيقية لمواجهة هذه المخاطر، قائلا «كلاهما يتخذان موقف المتفرج من كل جرائم العنف الطائفى والدينى التى جرت فى مصر بعد 25 يناير، ولم يفيقوا إلا بحرق الكنيستين فى إمبابة ثم عادت الأمور لما كانت عليه من قبل». وطالب بقانون يجرم كل أعمال التحريض على الكراهية الدينية المؤدية للعنف، والذى يؤكد أنه موجود بشكل يومى وعلى لسان رموز بارزة ومعروفة بالاسم، وجماعات صارت منظمة فى صورة أحزاب. ورغم حالة الغموض التى أشار لها بهى الدين حسن، إلا أن مدير المجموعة المتحدة للمحاماة والاستشارات القانونية، نجاد البرعى، أكد استعداد منظمات المجتمع المدنى لمراقبة الانتخابات القادمة، رغم عدم إعلان موعد رسمى لها، مشيرا إلى أنها قامت بتدريب مراقبيها منذ فترة. وقال البرعى «المنظمات متفقة مع المراقبين وراقبت من قبل كذا مرة.. الباقى أن تنزل الحكومة الدوائر وتقسيمها للتأكد أن هناك انتخابات بالفعل، حتى اللجنة العليا للانتخابات نفسها لا تعرف متى سيتم إجراء الانتخابات». وضم البرعى صوته لبهى الدين حسن بشأن التخبط المحيط بالعملية الانتخابية، واصفا الحكومة بأنها «حكومة الظلام أو الغرف المغلقة»، مشيرا إلى أن لا أحد يعرف موعد الانتخابات، أو حجم الاستعدادات، «حتى القوانين لم تناقش، وقانون الشعب والشورى عليه تحفظات من كل القوى السياسية وأيضا مباشرة الحقوق السياسية». وشكك الناشط الحقوقى، فى قدرة الحكومة من الناحية التنظيمية والسياسية على إجراء انتخابات تتمتع بالنزاهة والشفافية، وهى الشكوك التى يعززها، من وجهة نظره، رفض المراقبة الدولية على الانتخابات. ومن جانبه يرى مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، أنه على الرغم من ضيق الوقت، فى حال إجراء الانتخابات فى نوفمبر المقبل، إلا أن «خبرتنا مع فترة المجلس العسكرى تقول إن أى شىء أفضل من بقائه فى السلطة». وأكد عيد أن الوقت كاف، «ولا توجد كارثة فى صراعات بين الفرق والأحزاب السياسية لأن هذه هى الديمقراطية»، مضيفا أن الانتخابات لن تغير وجه مصر، «فهى مجرد خطوة على طريق الديمقراطية». واتفق عيد مع البرعى فى أن الإشراف القضائى هو وجه للعملة، أما الوجه الثانى فهو الرقابة والمتابعة الدولية التى أكد إصراره عليها، منتقدا بعض الأحزاب التى يرى أنها «تنافق المجلس العسكرى» بإعلانها رفض للرقابة الدولية.