تساءل معمر القذافى فى خطابه «الصاعق» مع بداية الثورة فى ليبيا «من أنتم؟» وطرح هذا السؤال على كل معارضيه فى الداخل والخارج من الليبيين وغيرهم، وأصبح هذا السؤال مثار اهتمام واستهجان الليبيين ووسائل الإعلام، التى تناولته بشىء من السخرية والتهكم. لكن هذا السؤال لم يوجه من قبل القذافى فقط، بل وجه هذا السؤال للثوار أيضا من قبل الغرب بصفه عامة وأمريكا بصفه خاصة «من أنتم؟» فى محاوله منهم لمعرفة ماهية هؤلاء الشباب الذين انتفضوا ضد القذافى وتجرؤوا على معارضته، وكيف استطاعوا ذلك؟ وما خططهم؟ وما مطالبهم؟ وما أجندتهم للمستقبل؟ وما رؤيتهم للدور الأمريكى؟ كل هذه التساؤلات تم اختزالها فى كلمة «من أنتم؟». وبالرغم من رفض السؤال واستهجانه، فإنه يبقى بحاجة إلى التفكير بعمق وجدية، فالقذافى عندما طرح هذا السؤال لم يكن يقصد فقط من أنتم لتتجرأوا على معارضتى، وإنما قصد من أين لكم هذه الجرأة التى دفعتكم لقول كلمة، وهو الذى عمل على مدى 42 عاما على تشكيل عقلية ليبية سلبية ومستسلمة لحكمه، ثم تفاجأ بهذا الجيل الثائر، وتفاجأ أكثر بمطالبهم وأفكارهم وعزيمتهم التى لا تقهر. والآن حان الوقت لنسأل أنفسنا «من نحن؟»، فهذا السؤال مهم وصحى جدا، فقد سبق وطرح الأكاديمى الأمريكى «صموئيل هنتجتون» عام 2004 فى كتابه «من نحن؟» هذا السؤال فى محاوله منه لتشريح الهوية الأمريكية ورصد التحديات التى تواجهها، وذلك بعد تزايد تأثير اليمين الدينى فى الولاياتالمتحدة فى عهد الرئيس «جورج دبليو بوش»، وحاول هنتجتون فى كتابه الإجابة عن سؤالين مهمين: أولهما: ما القيم والأفكار التى عمل اليمين الدينى على غرسها فى المجتمع الأمريكى طوال خمسين سنة من بداية ظهوره بقوه فى الخمسينيات من القرن الماضى؟ وكيف استطاع الحصول على هذا القبول لدى المجتمع الأمريكى وتكوين هذه القاعدة العريضة المؤيدة له؟ والثانى: ما القيم التى تشكل المجتمع الأمريكى؟ وكيف تأثرت بقيم اليمين وأفكاره؟ وهل سيشهد المستقبل الأمريكى صراعا بين هذه القيم؟ بمعنى آخر، لقد حاول هنتجتون فى كتابه تقديم النصح، بأن علينا تشريح أنفسنا والغوص أكثر فى الذات، لنعرف «من نحن؟»، ولنتعرف على سلبياتنا والأفكار الهدامة الموجودة فينا، وبالتالى نحدد ماذا نريد وما الذى يجب علينا فعله. وهو ما يجب أن يفعله الليبيون الآن، فسؤال القذافى «من أنتم؟» دليل على وجود حالة صحية لدى الليبيين متمثلة بوجود أفكار وقيم ومعتقدات مضادة لما كان يعمل القذافى على غرسه فى هذا الشعب طوال عقود، وبالتالى علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال لنحدد الجيد فينا، والذى رفضه القذافى وتفاجأ به، حتى نطوره ونستخدمه فى بناء ليبيا الجديدة، وكذلك نحدد السيئ فينا، لنتغلب عليه، وذلك لأننا لن نسلم ولن ننجح فى ثورتنا، إلا عندما نطهر أنفسنا من السلبيات التى غرسها فينا القذافى، فالشعارات وحدها لا تكفى ولا الدعم الغربى وحده يكفى لبناء الديمقراطية فى ليبيا، علينا أولا إصلاح أنفسنا، فالديمقراطية، والعدالة، والتنمية، تحتاج أرضية صلبة لتقوم عليها، فعلينا أن نهيئ هذه الأرضية ولنحدد ما الذى نريده حقيقة فى المستقبل، ما الذى نسعى لتحقيقه لأبنائنا، وهذا السؤال ليس مقصورا على الليبيين، وإنما على الثائرين فى كل مكان، فى تونس، وفى مصر، اليمن وسوريا. وعليه يجب أن نقف لنرصد ما الذى أنجزناه حتى الآن؟ وكيف نستغل هذه الإنجازات ونستثمرها، وهنا ينبغى ألا نستثنى أحدا ولا نستهين بخبرة أحد، وأن نبتعد عن الأنا والتعصب، ونركز أكثر على الوحدة الوطنية ولنعمل معا لبناء هويتنا الثقافية دون سلبيات الاستبداد التى غرست فينا. وكيف نطوع إنجازات الثورة فى ترسيم ملامح جديدة متطورة لهذه الهوية، من أجل الغد ومن أجل مستقبل ابنائنا، ولتكن البداية «من نحن؟».