تدور الدوائر الأيام الماضية فى فلك معين وهو الحديث عن مبادئ حاكمة للدستور الذى من المزمع صياغته فى المستقبل القريب إن تم انتخاب أعضاء مجلسى الشعب والشورى اللذان من المزمع أيضا إجراء إنتخاباتهم هذا العام وفقا لم زعمه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته الجهة المنوط بها إدارة البلاد بعد تخلى محمد حسنى مبارك عن الحكم وفقا لبيان الحادي عشر من فبراير لعام ألفان و إحدى عشر. لا تستغربوا من استخدامى لكلمة مزمع كثيرا فنحن حقا نعيش فترة لا مثيل لها من كمية الشائعات والإفتراضات والتكهنات والوعود التى نتخوف على الوطن من النكث بها والإنقلاب والإلتفاف عليها. أعود للحديث عن المبادئ الحاكمة للدستور التى قيل أنها ستوضع للحفاظ على ماهية مدنية الدولة مع إعطاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة للتدخل فى الوقت المناسب متى ارتأي أن هناك ما يعوق الحفاظ على مدنية الدولة، والحق أقول أن كل ما يساق فى هذا الحديث مجرد تكهنات حتى الآن فلا وثيقة ظهرت أو حوار مجتمعى قد تمت الدعوة له لمناقشة تلك المبادئ قبل صياغتها. لقد قال الشعب كلمته فى استفتاء قد نختلف كثيرا فيما آلت إليه نتيجته التى جاءت مخيبة لآمال قطاع كبير من النخبة والنشطاء السياسيين، ولكن لقد اتفقنا قبل إجراء الإستفتاء على إحترام إرادة الأغلبية، هذا الإحترام لم يكن له دافع سوى الإيمان بالديموقراطية ورغبة حقة فى ضرب مثال قوى للأجيال القادمة فى الحفاظ على مفاهيم إحترام وتقبل الآخر. نعم لقد كان من الأفضل أن تكون اللجنة التى ستصوغ الدستور لجنة مستقلة تماما لا علاقة لها بالبرلمان أو بتياراته حيث من البديهى أن يتم تشكيل البرلمانات وفقا لما تحدده الدساتير وليس العكس وهى سابقى دستورية قد أتت بها لجنة صياغة التعديلات الدستورية، والتى كانت برئاسة المستشار البشرى وللأسف أتت نتيجة الإستفتاء بالموافقة على تلك السابقة الخطيرة لتضع الجميع فى مأزق متخوفين من سيطرة أصحاب الأموال أو أصحاب الشعارات الدينية على إرادة الناخبين، وهى مخاوف مشروعة جدا للأسف فى بلد تفوق نسبة الأمية فيه حدود الثلاثين بالمائة . ولكن جاءت تظاهرات الثامن من يوليو واستمرار الإعتصام بعدها فى بعض ميادين مصر والتى عرفت بميادين التحرير نسبة لتحرير مصر من آل مبارك ونظامه بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير لتسفر عن قبول المجلس العسكرى لمطالب الشعب المشروعة مرة أخرى كما جاء فى البيان الشهير لللواء محسن الفنجري وأنه سيتم تشكيل لجنة لوضع الأسس الواجب توافرها فى قوام اللجنة التى ستكلف من قبل البرلمان مستقبلا بصياغة الدستور، ثم توالى الحديث بعد جمعة الجماعات الإسلامية فى التاسع والعشرين من الشهر ذاته لتتصاعد بعدها حدة الخلافات بين الرفقاء وليتم الإعلان عن إعداد وثيقة لمبادئ فوق دستورية أو حاكمة للدستور وهو ما يعد انتقاصا من إحترام إرادة الشعب التى عبرت عنها نتيجة الإستفتاء التى لم تسعدنى شخصيا. علينا أن نضع أمامنا النموذج التركي وهو الأقرب لحالتنا تلك الآن، فالأتراك الآن يتحركون نحو اسقاط القيود التى فرضتها المؤسسة العسكرية على رقاب الحكومات واتجهوا لتقليل دور الجيش السياسى وهو ما لا يقلل إطلاقا من الدور الوطنى الذى يلعبه الجيش التركى ولكنه أمر واجب للفصل بين السلطات ولإعطاء الشعب حريته فى تقرير مصيره وعدم وضع وصاية أو سيف فوق رقاب الحكومة التى يختارها الشعب من خلال الإقتراع . فليس من المنطقى إطلاقا أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون، وليس علينا إطلاقا أن نقبل بتققيد حرية الناخب، فكما أرفض و بشدة الآن تلك المبادئ الفوق دستورية لعدم ديموقراطيتها وتوافقها مع ما أقرره الشعب أرفض وبشدة ما يشاع عن عقد صفقات بين الأحزاب من أجل ضمانة أعداد معينة فى مجلسي الشعب والشورى برعاية المجلس العسكرى، فمن حق الناخب أن يرى تنافسا بين جميع الأطياف السياسية حتى يقدم كل مرشح ما يستطيع و يتبارى فى التميز عن الآخرين. لذا فأنا أرى الآن ضرورة وضع شروط للترشح لتلك اللجنة التى سيشكلها البرلمان المنتخب وفقا للإعلان الدستورى الحالى لتقوم بصياغة الدستور ويجب أن تكون معلومة للناخب قبل إختيار من يمثله بحيث يضمن أن يكون هذا العضو كفئا للمشاركة فى تحديد مستقبل دولة بحجم مصر ذات الأبعاد التاريخية والحضارية والإقليمية، وبذلك نكون قد أقررنا ما أراده الشعب فى الإستفتاء وضمنا أن نحصل على دستور حقيقى صاغته لجنة مطابقة لشروط وضوابط معلنة وليست خفية على الشعب حتى لا يستولى تيار من التيارات على أغلبية تلك اللجنة.