كل يوم أمر على وزارة الداخلية فى طريقى للعمل.. كان يلفت نظرى أمر غريب. بضع سيارات ملاكى احترقت اثناء الثورة، ظلت رابضة فى مكانها لمدة اكثر من اربعة أشهر، السيارات التى يبدو انها تخص الوزارة أو الضباط، كانت «مركونة» أمام مبنى الأدلة الجنائية.. الأمر الغريب هو أن الوزارة «كسلت أو تكاسلت» عن رفع هذه السيارات وكأنها تريد أن تخلد ذكرى الموقعة، على غرار ما فعله القذافى فى مقر باب العزيزية بعد أن قصفته أمريكا فى الثمانينيات. قبل نحو شهرين اختفت السيارات وذهبت إلى «مدفنها» فاستبشرت خيرا أن الوزارة تريد نسيان الماضى والتطلع إلى الامام. قبل يومين وجدت بشارة خير جديدة، اثار الحرائق التى طالت المبنى اثناء تمرد أمناء الشرطة أو بفعل «الماس الكهربائى» بدأت الوزارة فى ترميمها ودهان المبنى من جديد. هى أشياء رمزية، لكنها ذات دلالة.. و بالطبع فالأهم من ترميم المبنى هو ترميم السياسات والأكثر أهمية أن نتوقف عن الترميم ونقيم مبنى جديدا بالكامل على اسس نظيفة وسليمة. غنى عن القول اننى لا أقصد المبنى الخرسانى بل العقيدة التى تحكم عمل الشرطة والافكار والاساليب التى تطبقها اثناء العمل. كل يوم ومن مجريات الامور منذ ثورة 25 يناير وحتى هذه اللحظة يتضح لنا أن الاصلاحات الجزئية لن تجدى شيئا وانه من دون ايمان حقيقى من القائمين على امر المجلس الاعلى للقوات المسلحة والحكومة وقادة وزارة الداخلية بان هذا الجهاز الشرطى يحتاج نسفا لكل قيمه وافكاره وعقيدته القديمة، فلن نتحرك خطوة إلى الامام بل سيتحول الجهاز بطريقته القديمة إلى قنبلة موقوتة ستنفجر فى اى لحظة فى جسد المجتمع بأكمله. جربنا أن نغير اسم امن الدولة إلى الأمن الوطنى واجرينا حركة تغييرات شرطة هى الأكبر من نوعها تقريبا، ووزير الداخلية وكبار مساعديه يتحدثون بلغة مختلفة راقية لم نعهدها من الوزارة من قبل. لكن كل ذلك - مع كل التقدير- ليس هو الجوهر. وزارة الداخلية تحتاج ببساطة إلى عقيدة جديدة على نقيض كامل مع العقيدة القديمة، تحتاج إلى أن يخرج الوزير فى مؤتمر صحفى كبير يخاطب فيه المجتمع وجنوده. على الوزير أن يقول للمجتمع بوضوح أن الوزارة أخطأت فى حق الشعب المصرى طوال العهود الماضية ولن تكرر هذه الاخطاء، ويقول لجنوده وضباطه: هذه هى طريقة عملكم الجديدة، وظيفتكم هى خدمة الشعب فعلا لا شعارا، ممنوع إهانة أو تعذيب أى شخص حتى لو كان مجرما.. واحترام حقوق الإنسان هو دستور عمل الوزارة. قد لا يرى كثيرون أهمية لهذا الإعلان، لكن له أهمية رمزية ومهمة لأنها ستكون بمثابة دستور وقانون يحكم عمل الشرطة ويبعث برسالة إلى الجميع من جندى المرور إلى لواء امن الدولة خلاصتها أن زمن بلطجة الشرطة و«ضرب الشعب على قفاه» قد ولى بغير رجعة. وأن العلاقة بين الطرفين تقوم اساسا على سيادة القانون. يسأل البعض أيضا: ما فائدة مثل هذا الإعلان اذا تم تلاوته ثم «تصبحون على خير» وتعود ريما إلى عادتها القديمة؟!. بالطبع يحتاج الأمر إلى شىء مهم اسمه الرقابة المستمرة على عمل الشرطة. إذا كان لدينا مجلس شعب منتخب من الشعب يستطيع أن يقيل الوزير والوزارة، إذا تعرض مواطن للصفع على يد رجل أعمال ومر الأمر وكأن شيئا لم يكن، وإذا كان لدينا قضاء يمارس رقابة فعلية على سائر أجهزة ومقار الشرطة، وإذا كانت لدينا صحافة وإعلام حر تكشف أخطاء الشرطة أولا بأول. إذا امتلكنا هذه العناصر الثلاثة.. برلمان منتخب وقضاء يراقب وصحافة حرة فلن يكون لدينا عادلى جديد، ولن يموت خالد سعيد جديد بلفافة بانجو، ولن يقوم «المواطنون الشرفاء» بقتل سائق ميكروباص الأزبكية ولن يضطر «تحالف الأهالى والبلطجية» إلى قتل بلطجى دسوق الكبير أحمد بربار. مبروك للداخلية الدهانات الجديدة.. وفى انتظار السياسات الجديدة.