فى أعقاب «ثورة الأرز» فى لبنان سنة 2005 التى أدت إلى انسحاب الجيش السورى منه، رأى عدد من المحللين أن ما يحدث فى هذا البلد الصغير هو عملية تغيير ديمقراطية، وأمل هؤلاء بأن تشكل التجربة اللبنانية نموذجا تحتذى به دول المنطقة. لكن فى الوقت الذى بدأت فيه رياح التغيير تهب حاملة معها «الربيع العربى» إلى دول العالم العربى، يبدو أن لبنان يكافح فى سبيل الدفاع عن استقراره الداخلى، ومن أجل بقاء إرث ثورة 2005، ولاسيما الآن مع تصاعد التوتر الداخلى فى هذا البلد فى أعقاب صدور القرار الاتهامى للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ضد أعضاء فى حزب الله، الأمر الذى من شأنه أن يشعل نيران الفتنة المذهبية التى تعصف بلبنان. بداية هذا المسار كان فى مطلع يونيو مع إعلان تأليف حكومة لبنانية جديدة بزعامة حزب الله وحلفائه السياسيين من معسكر مارس، الأمر الذى يدل على أن المسار اللبنانى من الآن فصاعدا لن يكون مختلفا فقط عما كان عليه أيام ثورة الأرز، بل سيكون مختلفا أيضا عن التغيير الذى يحمله «الربيع العربى». لقد اعتبر تكليف نجيب ميقاتى تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة خطوة إيجابية لأنها جاءت لتملأ الفراغ الناشئ بعد سقوط حكومة سعد الحريرى فى يناير 2011، لكن اقتصار أعضاء الحكومة الجديدة على ممثلين من معسكر 8 آذار ومن المستقلين، وعدم إشراكها ممثلن عن 14 آذار ، جعلها تبدو أكثر إشكالية، وذلك لأسباب عدة منها أن هذه الحكومة الجديدة ستعيد لبنان إلى الفترة التى سبقت «ثورة الأرز»، وستعزز من جديد التدخل السورى فى السياسة الداخلية اللبنانية، كذلك سيؤثر التقارب اللبنانى السورى فى السياسة الخارجية اللبنانية، وسينعكس سلبا على التعاون بين لبنان والولايات المتحدةالأمريكية. ومما لا شك فيه أن الطريقة التى ستتعامل بها الحكومة الجديدة مع القرار الاتهامى للمحكمة الدولية سيحدد مستقبل علاقة لبنان مع المجتمع الدولى. ومن وجهة نظر إسرائيلية، من المبكر التنبؤ بنتائج التغييرات التى تشهدها الحياة السياسية الداخلية فى لبنان لأن ذلك مرتبط إلى حد بعيد بالطريقة التى ستتصرف بها قوى 14 آذار على صعيد الحياة السياسية اللبنانية، وبتطورات الأزمة فى سورية. كذلك ستشكل طريقة التعامل الحكومى مع المحكمة الدولية عنصرا حاسما فى تحديد مستقبل لبنان والقوى السياسية الأساسية الفاعلة فيه. لذا، فإن توجيه اتهام مقنع وقوى ضد حزب الله من شأنه أن يشكك فى صدقية هذا الحزب، ويؤدى إلى تراجع شعبيته، وهو أمر مرحب به من جانب إسرائيل. لكن إذا نجح حزب الله فى التهرب من الاتهام الموجه إليه، وأجبر لبنان على وقف تعاونه مع المحكمة الدولية، فإن هذا سيؤدى إلى تعزيز قوته، وإلى القضاء بصورة كاملة على المعارضة السياسية فى البلد. وفى الحالتين فإن هذا سيؤدى إلى تجدد الخلافات الداخلية وانهيار الاستقرار، الأمر الذى يشكل تهديدا لأمن دولة إسرائيل. ●●● إن صعود حكومة لبنانية موالية لسوريا يسيطر عليها حزب الله أمر مثير للقلق على المدى القصير، لكن هذا لن يدفع حزب الله إلى تغيير استراتيجية بعيدة المدى، أو إلى افتعال مواجهة عسكرية مع إسرائيل، لأن هذا القرار مرتبط بأطراف عدة أغلبيتها من خارج حزب الله.