إنه اللقاء الذى يجسد فكرة الشباب الأمريكى عن مصر، وما يعتقده الشاب المصرى عن «أرض الأحلام». عشرات الشباب من الجانبين يلتقون وجها لوجه، فى مصارحة هادئة لا تخدشها الأفكار المسبقة، ولا تشعلها وسائل الإعلام، عبر برنامج سوليا للتبادل الثقافى بين شباب الغرب وشباب العالم العربى. «صورتكم عن العرب مشوهة. إعلامكم يصورنا همجًا وجهلة». يقولها خالد عاشور، 21 سنة، طالب بجامعة القاهرة. خالد، ذو اللحية الخفيفة والشارب المحفوف، يجلس بجانب كريستين فاليس، أمريكية شقراء مرسوم على يديها نقش الحناء النوبى. ترد فاليس «أنتم أيضا لديكم أفكار مغلوطة عنا، مثل أن المرأة الأمريكية سهلة المنال وليس لديها مانع من إقامة علاقة مع أى شخص». يعترف خالد بأن صورة «المرأة الأمريكية السهلة» موجودة بالفعل لدى كثير من العرب، إلا أن السبب فى ذلك هو الأفلام الأمريكية. يقول خالد إن الحوار مع الفتيات الأمريكيات قد أقنعه بأن بالولاياتالمتحدة «تدينا إلى حد ما» وأنهم ليسوا كما فى الأفلام «متحررين بلا حدود». يدور هذا الحوار داخل قاعة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية،جامعة القاهرة، التى استضافت مؤخرا 15 طالبا من جامعة فلوريدا الشمالية بالولاياتالمتحدة. الطلاب الأمريكان تتنوع مجالات دراستهم بين الإذاعة التليفزيونية والصحافة المكتوبة والعلوم السياسية. جميعهم مشاركون فى برنامج سوليا للتبادل الثقافى الذى يهدف لإقامة حوار دائم بين الشباب الأمريكيين والأوروبيين والعرب، من خلال الإنترنت والزيارات المتبادلة. وجهتهم فى هذه الزيارة هى مصر، والهدف هو أن يكتبوا عنها كنموذج للثقافة الشرق أوسطية والإسلامية، وأن ينشروا ما يكتبوه على مدوناتهم وفى جريدة جاكسونفيل، أكبر صحف مدينتهم. «توقعت أن أراهم في حالة غضب وكراهية» هكذا عبرت نينا فلانجان، 21 سنة، عن توقعاتها لنفسية الشعب المصرى. تقول إن كل معلوماتها عن العرب والمسلمين كانت من الإعلام فقط، وأن فى مدينتها من يموت دون أن يقابل مسلما واحدا طوال حياته. تقول نينا إن كرم الضيافة الذى وجدته فى مصر فاق كل توقعاتها، وتروى أنها حضرت حفل زفاف دون أن تكون على علاقة قوية بأى من الحضور، إلا أنها فوجئت بمن يشد يدها ويدخلها فى دائرة الضيوف. يضيف زميلها برايان نورمان،20 سنة، أن المصريين يعلمون عن أمريكا أضعاف ما يعرفه الأمريكان عن مصر. «من المستحيل على الأمريكى العادى أن يعرف اسم الرئيس المصرى أو اسم زوجته» يقولها برايان، «فى حين أن المصريين يعرفون مثل هذه المعلومات عن الرئيس الأمريكى عن ظهر قلب». يتفق الحضور كلهم على أن الإعلام فى العالم كله يتبع سياسات واستراتيجيات ملاكه، وأنه المؤسسات الإعلامية تنقل الأحداث والوقائع التى تؤيد أجندتهم فقط. «لماذا ندفع ثمن الهولوكست الذي تعرض له اليهود» سؤال غاضب آخر على لسان خالد، يعقبه اتهام للولايات المتحدة بأنها تساند إسرائيل على طوال الخط. «نحن نعطى ونعطى منذ خمسين عاما، ولم نأخذ منكم شيئا حتى الآن، هذا ليس عدلا». يحتدم الحوار بسؤال خالد، الذى يضيف أن تأييد الولاياتالمتحدة لإسرائيل هو السبب الأكبر لكراهية أكثرية العرب لهم. نيكول هرناندز، 20 سنة، تتكفل بالرد على خالد. لم تكن نيكول أكثر المتحاورين مشاركة فى الحديث، إلا أن موضوع الصراع العربى الإسرائيلى قد استهواها بشكل خاص ودفعها للمشاركة. نيكول، التى ترتدى صليبا فضيا ضخما، تقول إنها على علاقة عاطفية بأحد أفراد المارينز، وهو أمر شائع فى مدينتها جاكسونفيل، لوجود قاعدة عسكرية ضخمة بها. تؤكد نيكول أن الثقافة العسكرية تخلط الدين بالسياسة وتجعل الدفاع عن إسرائيل وتأييدها واجبا إلهيا، وأنها كثيرا ما تختلف مع صديقها فى أمور السياسة. إلا أنها تشير إلى أن عدد الأمريكان المنخرطين فى الجيش الأمريكى لا يزيدون على 200 ألف من أصل 300 مليون أمريكى. ينبهها زملاؤها إلى أن اللوبى الإسرائيلى فى الولاياتالمتحدة شديد القوة وقادر على التأثير فى صانعى القرار. لا ينتهى الحوار باستنتاج قاطع، إلا أن خالد يشعر بالرضا باعتراف بعض الأمريكيين أن الولاياتالمتحدة لا تتبع سياسات عادلة تجاه القضية الفلسطينية. «سمعت هنا أن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية» يقولها كليتون بوش، 22 سنة، بهدوء، غير متوقع لعاصفة الإجابات التى أتته من كل جانب. تتداخل تعليقات المصريين الحضور فى الدفاع عن الإخوان المسلمين، قائلين إنهم وإن اتبعوا أساليب عنيفة فى الماضى، فذلك كان من سمات القوى السياسية على مختلف اتجاهاتها، «أما الآن فالجماعة مضطهدة لأنها تعبر عن الفصيل الأقوى فى المعارضة المصرية». مظهر كليتون المسترخى لا يتفق مع ما يصفه به زملاؤه من أنه أكثرهم إثارة للجدل وجرأة فى الخوض فى الأمور الدينية والسياسية. نشر كليتون إحدى مقالاته عن مصر فى صحيفة جاكسونفيل بفلوريدا، فتلقى العديد من الردود الغاضبة. كانت مقالة كليتون عن التشابهات التى لمسها بين الإسلام والمسيحية، وأن الديانتين متطابقتان فى الأهداف. يقول كليتون «تلقيت الكثير من ردود الفعل الغاضبة والاتهامات باحتقار الديانة المسيحية وتزييف الحقائق عن الإسلام لتحسين صورته». يقول كليتون إن أكبر ما فاجأه فى مصر هو أنه قابل «مسلمين غير متدينين». ويشرح قائلا إن بعض طلبة الجامعة الأمريكية فى القاهرة قالوا له إنهم مسلمون ولكنهم لا يقيمون الشعائر ولا يمارسون أى أنشطة دينية. يعلق كليتون «لم أكن أعلم أن هذا ممكن على الإطلاق». يتفق أحد الطلبة المصريين مع كليتون على أن يعرفه على بعض الأعضاء الشباب بجماعة الإخوان المسلمين. يكتب كليتون عن هذه الزيارة على مدونته، ويقول إن غضب الغرب على الإخوان المسلمين أشبه بغضب العرب على الولاياتالمتحدة. يستفيض فى شرح وجهة نظره قائلا إن دراسته ولقاءاته مع الإخوان قد جعلته يؤمن بأن أفعال العنف التى تنسب للجماعة فردية وليست نتيجة لتطرف فكرى، وهو أشبه باتهام العرب للجيش الأمريكى بالوحشية نتيجة لبعض المخالفات وحوادث التعذيب التى يرتكبها قلة منهم. ينتهى الحوار الذى امتد لساعة ونصف الساعة باتفاق الجميع على أن عليهم واجبا ثقيلا فى نقل صورة حقيقة للآخر بعيدا عن تشويهات الإعلام المتعمدة. أحد المصريين يذكر الطلبة الأمريكان أن الجامعة لا تعبر بالضرورة عن آراء القاهرة كلها، والقاهرة كلها لا تعبر بالضرورة عن آراء مصر. ومن جانب آخر يهمس طالب مصرى «وليت كل الأمريكان فى ربع تسامح وتفاهم هذه المجموعة».