إذا صح أن بعض الناشطين المصريين فى الولاياتالمتحدة قد قرروا العودة لممارسة نشاطهم ومعارضتهم من القاهرة، فإن ذلك يعد تصحيحا لخطأ فادح استمر طويلا. لم يستفد منه سوى الحكومة نفسها التى ترفع شعارا جميلا «دع المعارضين فى الخارج يخبطون رءوسهم فى كل حوائط البيت الأبيض فى واشنطن أو حوائط أى بيت فى أى عاصمة أوروبية». المعارضة من الخارج سلاح ثبت فشله مئات المرات، إلا إذا كان هؤلاء المعارضون قد ارتضوا لأنفسهم أن يصبحوا عملاء رسميين ويحصلون على راتب شهرى من أجهزة المخابرات الدولية. كما حدث مع عدد كبير من القادة العراقيين الذين دخلوا بلدهم على الدبابات الأمريكية، أو بعض مسئولى الحكومة الأفغانية الذين زرعهم المحتل الأمريكى أيضا، ووصلت إلى مرحلة تباهى فيها مسئول عراقى بأنه عمل مع 14 جهاز مخابرات أجنبيا. ورغم ذلك ولأن السياسة لا تعرف المستحيل، فإن واشنطن رمت بكثير من عملائها فى العراق مثل أحمد الجلبى، وبدأت تفاوض البعثيين، ومستعدة لبيع حامد قرضاى إذا وافقت طالبان الأفغانية على الصفقة المعروضة عليها. المعارض الحقيقى ليس مرتزقا أو تاجرا، هو يدرك أن عليه دفع فاتورة باهظة تبدأ من المنغصات الأمنية وقطع الأرزاق وتنتهى بالتشريد وربما الموت. ومع كل التقدير للأسماء والأشخاص، فلو ظل سعدالدين إبراهيم مئات السنين فلن يعرفه الكثيرون هنا، أما أحمد صبحى منصور فربما من يعرفونه فى مصر لا يتجاوزون سكان قرية، والمؤكد أن واشنطن لن تساعده كى يتم إقامة عالم يعتمد على الرؤية القرآنية فقط. والأكثر تأكيدا أن واشنطن أو غيرها لن تساعد أقباط المهجر، لمجرد أنهم أقباط، هم فى النهاية ورقة فى يدها. الحكومة فى مصر لا يشغلها كثيرا تظاهرات المعارضين أمام البيت الأبيض أو فى ردهات الكونجرس، إلا إذا أثر ذلك على حجم المساعدات الاقتصادية. الذى يوجع الحكومة أن يتحرك أحد فى الشارع ضدها يحتك بالناس، يفهمهم مصالحهم، يرشدهم إلى كيف يكونون منظمين، ويوجعها أكثر أن يتحول هذا التحرك إلى تجمع أكثر تنظيما، رجل من هؤلاء هو أخطر فى نظر الحكومة من مليون شخص ممن يدعون أنفسهم ناشطين ومعارضين فى الخارج. ولا أعرف إذا كان المعارضون فى الخارج يدركون أنهم مجرد «منديل كلينكس» فى أيدى أجهزة المخابرات التى تستضيفهم أم لا. النموذج الإسرائيلى يظل فى تعامله مع ما سمى بجيش العميل اللبنانى أنطوان لحد وقبله سعد حداد ساطعا فى هذا الأمر.. إسرائيل استفادت كثيرا من هؤلاء الخونة، ولكنها تعاملت معهم بكل ما يليق بالخونة، أوقفت عنهم المخصصات المالية، عزلتهم فى مكان بعيد باعتبارهم «جرب»، وأصبح كل همهم أن يعودوا إلى لبنان ولو إلى السجن أو يتم قبولهم كلاجئين فى الخارج. «ولماذا نذهب بعيدا؟» ومع فارق القياس علينا أن نسأل المعارضين المصريين فى الخارج: ماذا فعلتم؟ مع كل التقدير لبعض ذوى النوايا الحسنة من هؤلاء المعارضين، ورغم كل الآمال العظيمة التى راودت الكثير منهم أثناء فترة حكم جورج بوش الابن، فإنهم استيقظوا على كابوس مزعج اسمه إدارة باراك أوباما الجديدة التى قررت فيما يبدو بصفة حاسمة أن تتناسى «أسطوانة ومعزوفة الديمقراطية المشروخة» وتتعامل مع الأمر بالطريقة التقليدية والمعتادة. وهى التحالف مع أى شخص أو دولة يحقق مصالحها بصورة أفضل، ولذلك نراها تتحالف مع السعودية التى يفترض أنها «وهابية» ومع باكستان الطالبانية، ومع الهند الهندوسية، ومع اليابان البوذية، ومع مصر التى يحتار المرء فى وصفها، وقبل كل ذلك وبعده تتحالف مع إسرائيل الصهيونية العنصرية. يا أيها المعارضون فى الخارج.. إن نضال يوم فى مصر بألف يوم مما تعدون فى الخارج.. عودوا تصحوا!.