يبدأ المشهد بورقة وينتهي بورقة ولكن شتان بين الورقتين فالأولي ورقة امتحان والثانية ورقة وفاة أصبح من غير المحتمل أن نستيقظ كل يوم على انتحار أحد الطلاب بسبب امتحانات الثانوية العامة أصبح من غير المحتمل أن تستمر هذه المسرحية الهزلية دون غضاضة من أحد أصبح من غير المحتمل أن نقتل أبنائنا دون أن نشعر بتأنيب الضمير أصبح من غير المحتمل أن تجد أناس يغتالون هؤلاء الطلاب بعد موتهم بتوجيه التهمم والسباب أصبح من غير المحتمل أن يتعامل المجتمع مع هذه الظاهرة ببلادة وبلاهة وكأن شئ طبيعي يحدث. وإلي متى سيظل هذا السيل من حالات الانتحار في الإستمرار؟ وإلي متي سنظل نتعامل ببلاهة وبلادة مع هذا الموقف البالغ الخطورة؟ فلنفكر لبرهة من الوقت في هذه الظاهرة ولنتأملها وندرسها لنعرف أسبابها. فهل فكرنا ولو لمرة قبل أن نلقي التهم والسباب علي هؤلاء الطلاب لماذا فعلوا هذه الجريمة تجاه أنفسهم؟ هل فكرنا لماذا قاموا بهذا الفعل؟ هل فكرنا من أجل من يفكر طفل لم يتعدي الثامنة عشرة من عمره في إنهاء حياته؟ إننا نحن ياسادة من قتل هؤلاء الطلاب إننا متهمون جميعاً بالتحريض والإشتراك في عملية القتل نعم كلنا متهمون الأسرة والمجتمع ووزارة التربية والتعليم فالمسئولية تضامنية بيننا فنحن من خلق فزاعة الثانوية العامة ونحن من يضخم فيها كل يوم ونحن الذين ارهبنا وفزعنا وقمعنا أبنائنا أننا قتلنا أبنائنا عندما ربيناهم علي التيبس الفكري وهدم المرونة في التفكير عندما أوهمنا أنفسنا و أبنائنا أن للنجاح طريق واحد ليس له ثاني عندما ربيناهم على عدم المحاولة عندما عظمنا كلمة الفشل في أزهانهم عندما جعلناهم لا يفكرون بإبداع عندما جعلناهم يفزعون من الفشل أو أننا برمجنا عقولهم علي أن المحاولة تكون مرة واحدة وفقط أما أن تنجح وإما تنهي حياتك أن الحياة ليست بهذه القسوة وليست بهذه الصعوبة فلو كان لكل تجربة محاولة واحدة فقط ما أستطاع العلماء الوصول لأى إختراع نستخدمة الأن في حياتنا. "وترك خطابًا موجهًا لوالديه طالبهما فيه بأنه انتحر خوفًا من عجزه على تحقيق حلمهما بالحصول على مجموع كبير يؤهله للالتحاق بكلية الهندسة التى يرغبان بها". هذه الفقرة جزء من أحد الفقرات التى وردت في الخبر الذى نشر عن انتحار أحد الطلاب خوفاً من امتحان مادة الكيمياء علي موقع اليوم السابع بتاريخ 22/6/2011. وهنا أود أن اتحدث عن ثلاث أمور في غاية الخطورة أولهما أن هذا الطالب مثله مثل الكثير فقد قرر أن ينهي حياته خشيه الفشل وهنا يظهر الخلل في طريقة التربية لاننا لم نعلمه أن الفشل الحقيقي هو الخوف من المحاولة لم نعلمه أن الفشل هو ببساطة فرصة جديدة لكي تبدأ من جديد، فقط هذه المرة بذكاء أكبر (هنري فورد) علموا أبنائكم المرونة فى التفكير علموهم أن حتي إذا فشلت فأنت تتقدم علموهم أن الإنسان عندما لا يستطيع أن يحقق النتيجة الذي كان يطمحها من اول مرة يستطيع أن يحققها فى مرة ثانية يستطيع أن يحققها بطريقة أخري علموهم أن الفشل هو من يجعلك تتذوق حلاوة النجاح علموهم عدم الخوف من خوض أي تجربة مهما كانت صعوبتها علموهم أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة ولن تعطيك كل ما تريد من أول محاولة قد تقع وأنت تسير في طريقك قد تتعثر ولكن دائما هناك أمل طلما تعمل بجد واجتهاد. لقد قرر الابن أن ينهي حياتة لأنه لم يستطع أن يحقق حلم والدية قرر أن ينتحر ظناً منه أن الألم الذي سيسببه خبر انتحاره أقل فداحة من الألم الذي سيسببه عدم توفيقة في الامتحان كم هو نبيل هذا الطالب ولكن نبلة لا ينم إلا علي شعور دفين بالقهر والقمع. القمع الذي جعل هذا الطالب يحارب ويموت ليس من أجل حلمة بل من أجل حلم أناس أخرون فلماذا جعلنا أبنائنا لا يحلمون؟ لماذا جعلناهم لا يرسموا مستقبلهم بأنفسهم ونصبنا نحن أنفسنا لكى نخطط ونرسم لهم مستقبل ليس له أى ملامح متفردة فلماذا نربي أبنائنا دائما على الانصياع لرغباتنا بدلا من أن ننصاع نحن لرغباتهم؟ لماذا لم ننصح الأبناء بدلا من أن نفرض عليهم أحلامنا أن أسرة هذا الطالب هي من قتلته وأننا كمجتمع شريك في هذا الجريمة أما وزارة التربية والتعليم فهي من وضعت سيناريو الجريمة ووضعت خطواتها فهي من أعطت الفرصة للاسرة والمجتمع لكي يفكر بهذه الطريقة المريض. وأخر ما جاء فى الرسالة هو الانتحار بسبب حلم دخول كلية الهندسة فدائما ما نهم أنفسنا بأن هناك كليات قمة وكليات قاع دائما ما نهم أنفسنا أن دخول كلية الطب أو الصيدلة أو الهندسة هى قمة النجاح وأن دخول كلية التجارة أو التربية أو الحقوق هي قمة الفشل أننا جميعاً نعيش في مجتمع واحد فالكل يكمل الكل فلا نستطيع أن نستيقذ يوم لنجد أن كل المواطنين أصبحوا أطباء ولا تستقيم الحياة دون أن عامل النظافة علموا أبنائكم أن النجاح الحقيقي ليس في دخول كلية الطب والهندسة بل أن ذروة النجاح في الابتكار والتفرد والتميز في أي تخصص يحبه الانسان ويحارب من أجل أن يتميز ويبكتر فيه فكم من طبيب ومهندس عاشوا وماتوا دون أن يذكرهم أحد وكم من أناس لم يحصلوا على شهادات دراسية أصبحوا مصابيح تنير لنا طريق الجهل أن الهدف من الحياة ليس الحصول على شهادات تعلق علي الحوائط ولكن الهدف هو كم يستطيع الانسان أن يؤثر ويفيد المجتمع الذى ينتمي له كم يستطيع أن يترك من علم تسفيد منه البشرية بعد مماته. أيها الاباء أبنائنا ثروة إذا بددنها بددنا مستقبل أمه بأثرها علموا أبنائكم المرونة قبل أن لا نستطيع أن نعلمهم شئ لاننا ببساطة نجبرهم على إنهاء حياتهم فعلينا أن نتكاتف سويا مجتمع وأسرة ووزارة للتربية والتعليم من أجل القضاء علي هذه الظاهرة الخطيرة نتكاتف من أجل أن نبني مستقبل مشرق لأبنائنا بدلا من أن نتكاتف من أجل إنهاء حياتهم.