إنهم يحتمون فى مناصبهم الرياضية.. يرفضون التخلى عنها رغم كل ما اقترفوه من آثام فيها لأنها فى حقيقة الأمر توفر لهم الملاذ الآمن من الملاحقة القانونية.. تمنحهم قدرا من الشرعية بعد أن لفظتهم أماكن عملهم وباتوا مهددين بالإيقاف بعد كل ما سلبوه منها من مال وسلطان فى عهد النظام السابق. فالمناصب الرياضية والكروية على وجه الخصوص مكنتهم من التسلل إلى كبرى المؤسسات وتحقيق مكاسب لا حصر لها.. وهى الآن نفس المناصب التى تحمى تلك المكاسب.. ولو انفصل هؤلاء عن مناصبهم الكروية لما بات واحد منهم ليلته فى بيته ولحل به المقام فى أحد السجون اسوة بسارقى الأموال وسالبى الأراضى والمتربحين بغير حق. أقول هذا لأننى مازلت أشعر بأن الثورة لم تحقق المساواة بعد.. ولم تعدل فى حكمها حتى الآن.. ومازلت أرى فرقا شاسعا فى المعاملة بين المتهمين بسلب ونهب أموال الشعب.. نعم فرق جعل الفاسدين من أهل السياسة والمال والأعمال يسكنون الزنازين بينما فسدة الرياضة وكرة القدم أحرار يرزقون.. فرق جعل الرئيس السابق وأسرته ورجاله وحاشيته من رجال الإعلام والصحافة تحت سيف العدالة.. بينما يجلس رؤساء أندية واتحادات رياضية فى بيوتهم ومكاتبهم وتوفر لهم الغطاء فى المدرجات وكأنهم لا يفعلون شيئا.. وفى كل مرة تثور ثورة الثائرين ضد هؤلاء تكون النتيجة مجرد زيارة لمكتب أحد المحققين وسرعان ما يغادرون دون إعلان النتائج.. وكأن هؤلاء ليسوا من النظام السابق ولم يستفيدوا منه أو أنهم أكبر من القانون وأقوى من العدالة.. أو أنهم يملكون عصا سحرية تحول بينهم وبين الوصول لمصير المفسدين. إن ما يحدث يزيد من الشكوك ويثير المخاوف ويدعو للقلق على الثورة المباركة التى جاءت لتفرق بين المفسد والمصلح.. وما أظنها حققت أقل أهدافها حتى الآن إذا ما وضع فى الاعتبار التعامل مع الفسدة والمفسدين بأكثر من مكيال.. فالأسبوع الماضى كان هناك قرار أثلج صدور كثيرين من العاملين فى (دار أخبار اليوم) بعد أن أحال جهاز الكسب غير المشروع مسئولين سابقين فى هذه المؤسسة للتحقيق فى قضايا تضخم الثروة واستغلال مناصبهم فى تحقيق كسب غير مشروع.. مع إلزام (9) رؤساء تحرير سابقين برد المبالغ التى حصلوا عليها عن طريق الإعلانات وتقدر قيمتها بنحو 9 ملايين جنيه.. ويأتى هذا بطبيعة الحال بحكم أن (الأخبار) مؤسسة قومية هى فى الأساس ملك للشعب.. وهنا اتساءل.. إذا كنا بالفعل على نفس القدر من المساواة ونتعامل مع مؤسسات الدولة بنفس المعيار.. فأين كشف حساب المؤسسات الصحفية الأخرى الأضخم والأكبر ك«الأهرام والجمهورية»؟.. هل ضاعت حقوق العاملين فيها إلى غير رجعة؟.. أم أن هناك من يحمى من أفسدوها؟ أليست «الأهرام والجمهورية» مؤسسات صحفية قومية كما فى «أخبار اليوم»؟ ألم يحصل رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير فى تلك المؤسسات على مئات الملايين من الجنيهات؟ ألم يتقاض مسئولون فيها مبالغ شهرية كانت تتخطى الثلاثة ملايين جنيه.. حسبما أعلنه العاملون فيها؟.. ألم تكن عائدات الإعلانات منهوبة وتذهب ليد «فئة من المحظوظين».. بينما يلجأ الصحفيون للعمل فى الصحف والقنوات الخاصة لزيادة دخولهم الضعيفة.. ألم تكن حسابات تلك المؤسسات فى يد أفراد استباحوها بلوائح صنعتها أيديهم وتركوها كالبيت الخرب المثقل بالديون؟.. ألم يكن كل هذا فسادا إداريا مرعبا اختلطت فيه أوراق «السياسة بالرياضة وكرة القدم» ووفر الإعلام لها الحماية؟!.. إن هذه الجرائم لابد أن يكون جزاؤها القصاص العادل وألا يختل ميزان العدل أمامها.. وإذا كان جهاز الكسب غير المشروع قد أتم نعمته على دار «أخبار اليوم» فعليه أن يتمها على باقى المؤسسات الأخرى دون استثناء.. وعليه أن يرينا قراراته فى أشخاص لم يفرقوا بين ميزانيات تلك المؤسسات وجيوب اصدقائهم. أشخاص استخدموا الرياضة وكرة القدم فى الترويج لأنفسهم داخل تلك المؤسسات لتوطيد سلطتهم فى أندية كبيرة واتحادات دولية وقارية وبالتالى تحقيق ثروات فى الاتجاهين.. نعم ثروات ما كان لهم أن يحققوها لو كانوا أناسا عاديين أو حتى رجال دولة من الطبقة الوسطى.. هؤلاء افسدوا وما زالوا يفسدون فمتى وأين القصاص؟