لطالما احتج الحزب الحاكم وعلى رأسه على صالح فى مواجهة الثورة والثوار باستنادهم على شرعية دستورية، باعتبار أن صالح وصل إلى كرسيه عبر انتخابات اعترفت المعارضة وقبلت بنتائجها. وحيث إن المدة الرئاسية لاتزال سارية، إذن ليصنع بالبلاد ما شاء، وليضرب عرض الحائط بكل المطالب والاحتجاجات الشعبية. لكن الآن ليبرر لنا جهابزة الفقه الدستورى من أمثال هؤلاء، الشرعية التى يستند إليها أحمد على صالح قائد الحرس الجمهورى وأولاد عمومته القابعين فى القصر الرئاسى بعد مغادرة رأس الأسرة والنظام. من أين يستمدون شرعيتهم؟ وبأى حق يبقون فى القصر الرئاسى، فيما النائب والقائم بأعمال الرئيس لايزال قابعا فى بيته؟ ومن الذى أورثهم البلاد والعباد؟ والغريب أن القرار الأول الذى اتخذه الرئيس صالح بمجرد انتصار الثورة التونسية فى محاولة استباقية منه لمواجهة أى حركة احتجاجية قد تنشأ فى البلد حينها، أن تعهد بدفن فكرة التوريث إلى الأبد. وهذا يعنى أن النظام يعى تماما مدى الحنق الشعبى على نهج التوريث. إن تسامح شعبنا وجنوحه إلى السلم، وخوفه من الدخول فى داومة الحرب التى أنهكته بعد أن خبرها مرارا، أغرت هؤلاء المتبجحين الذين لا يعرفون سوى لغة العنف. فقد اعتادوا ألا يعيشوا ويعملوا إلا بسياسة الدهس على رقاب الناس والإمعان فى إهانتهم واحتقارهم. الشعب اليمنى لن يتراجع، صحيح أنه سيدخل موسوعة جينيس، بعد حصوله على رقم قياسى فى إضاعة الفرص وتغليب الحكمة والانتظار. لكنه لن يتراجع وسيمضى فى ثورته إلى النهاية. لن يعودوا.. لن يحكموا مجددا، وفى كل الظروف سيبقى أمامهم أحد أمرين، إما البقاء إلى الأبد محاصرين فى القصر الرئاسى الذى سيتحول إلى سجن لا يملكون الخروج خارج أسواره، تماما مثلما هو باب العزيزية بالنسبة للقذافى وآله. وحتى فى هذا لن يسلموا، ويكفى الاستدلال هنا بالهجوم الذى باغتهم فى عقر دارهم ومن حيث ظنوا أنهم فى مأمن. أو ليشعلوها حربا أهلية، وسيبقون مطاردين مختبئين كالجرذان، ولن ينعموا لا بالحكم ولا بالأمان مجددا. شاءت الأقدار أن تضع نائب الرئيس عبدربه منصور هادى أمام اختبار تاريخى حقيقى، لينجو بالبلاد بالتعاون مع العقلاء والسياسيين المخضرمين من أيدى شاب مدلل أهوج وعده والده بأن هدية عيد ميلاده القادم أن يرث اليمن بتاريخه وعظمته وثرواته وشعبه، ولايزال ينتظر الوفاء بالوعد. هادى اليوم يملك ما لا يملكه أحد شبه إجماع شعبى، ودعم حقيقى إقليمى ودولى. قليل من الشجاعة والرغبة فقط تكفى ليسطر اسمه بأحرف من ذهب فى صفحات تاريخ اليمن. فماذا ينتظر؟