وضعت مباراة المنتخب المصري مع جنوب أفريقيا في تصفيات بطولة الأمم 2012 التي جرت مساء أمس على ملعب الكلية الحربية كلمة النهاية لقصة "المعلم مع الفراعنة" استقال حسن شحاتة المدير الفني للمنتخب المصري من منصبه بعد رحلة استمرت أكثر من 6 سنوات. كانت صدمة الخروج من تصفيات البطولة المقبلة أقوى من أن يتحملها احد خاصة الجهاز الذي فاز مع الفريق باللقب 3 مرات متتالية محققا ما يشبه الإعجاز الكروي النادر ولكن منذ عدة شهور والفريق يفتقد إلي الثقة..و يتراجع من مباراة إلي أخرى حتى فقد نهائيا الأمل في الصعود للبطولة المقبلة . ولأن الحقبة الماضية التي تولى فيها المعلم أسم الشهرة لشحاتة قيادة المنتخب الوطني حافلة بالأحداث المفرحة والمحزنة أيضا فأنها تحتاج إلي رصد لأنها جزء هام من تاريخ الكرة المصرية والعربية قاد شحاتة الفراعنة للفوز ب 3 بطولات أفريقية متتالية وهو إنجاز وإعجاز في نفس الوقت (مصر 2006- غانا 2008 – أنجولا 2010)، كما حصل على لقب دورة الألعاب العربية 2007 ودورة حوض النيل 2011. بعيدا عن البطولات الرسمية فإن هناك إنجازات من نوع آخر حيث اعتبر كثيرون أن الخسارة بفارق هدف بعد أداء مشرف أمام البرازيل في كأس العالم للقارات بمثابة بطولة أخرى، بالإضافة إلي الفوز على إيطاليا إنجاز فريد لم يسبقه أليه أي منتخب أفريقي تحقيقه. البداية تولى حسن شحاتة تدريب الفراعنة في ظل حالة من الإحباط سيطرت علي نفوس الجميع إثر النتائج السيئة التي تحققت في عهد الإيطالي ماركو تارديللي الذي تعثر معه المنتخب في الوصول لنهائيات كأس العالم 2006 في ألمانيا، ترك التركة مثقلة لشحاتة الذي كان يتعين عليه تحقيق الفوز في مبارياته المتبقية على حساب بنين والسودان وليبيا في القاهرة.. وهو ما تحقق بالفعل.. إلا أن المباراة المصيرية كانت أمام كوت ديفوار وخسرها الفراعنة في أبيدجان 0/2 ، وتعادل منتخبنا بعد ذلك مع منتخب الكاميرون ليحرمه من التأهل إلي المونديال. لم يعتبر البعض شحاتة المسئول الأول عن خروج المنتخب من تصفيات كأس العالم حيث كان الموقف قد تأزم بالفعل بفضل تارديللي وكانت مهمة شحاتة إنقاذ ما يمكن إنقاذه . واعتمد شحاتة في بداية قيادته للفراعنة علي الجيل المميز لمنتخب الشباب الذي كان يتولى تدريبه وتوج معه بلقب كأس أفريقيا للشباب في بوركينا فاسو 2003، وقاده لنهائيات كأس العالم الأمارات 2003وقد أصبح لاعبوه نجوم أندية الدوري المصري فضلا عن احتراف بعضهم أمثال عمرو زكي وحسني عبد ربه وعماد متعب وأحمد فتحي وشريف إكرامي والراحل محمد عبد الوهاب. أول فرحة وتعتبر البداية الحقيقية لشحاتة عندما قاد المنتخب للفوز بأول بطولة في عهده حينما استضافة مصر كأس الأمم الأفريقية عام 2006 وتوج بلقبها بعد الفوز علي ليبيا في المباراة الافتتاحية بثلاثية، ثم تعادل مع المغرب سلبيا ليثير الشكوك نسبيا قبل الفوز بعد ذلك علي كوت ديفوار 3-1. واصل المنتخب نتائجه الجيدة وتغلب علي الكونغو 4-1 في دور الثمانية ثم علي السنغال 2-1 في نصف النهائي.. وجاء النهائي المثير أمام كوت ديفوار ليتوج الفراعنة بركلات الترجيح ويستعيد الفريق المصري البطولة التي حصل عليها أخر مرة تحت قيادة محمود الجوهري عام 1998 في بوركينا فاسو . ما بعد 2006 ولم يواجه المنتخب صعوبة في التأهل لبطولة الأمم الأفريقية 2008 في غانا حيث لعب مع بوروندي وبوتسوانا وموريتانيا وصعد إلي نهائيات البطولة وفي طريق الإعداد للبطولة شارك المنتخب في الدورة العربية للألعاب التي أقيمت في مصر واعتبرها الجهاز الفني فرصة جيدة للاستعداد.. وفاز الفريق بالذهبية بعد تحقيق عدد من الانتصارات كان أبرزها الفوز على منتخب السعودية في المباراة النهائية 2-1. وفي (غانا 2008) في 5 مباريات وتعادل في واحدة كانت أمام زامبيا في دور المجموعات، حيث تغلب الفريق المصري في طريقه علي الكاميرون مرتين (4-2) ثم (1-0) في النهائي، وسبق ذلك الفوز علي كوت ديفوار 4-1 وقد الفريق عروضا ممتعة وأداء نال إشادة كل النقاد ووسائل الإعلام العالمية ليتغير الموقف تماما عما كان عليه بعد بطولة 2006 التي كان الرأي العام يرى أن المساندة الجماهيرية هي السبب الأساسي في الفوز باللقب المونديال والقارات تعالت صيحات التفاؤل في مصر بعد إعلان قرعة تصفيات مونديال 2010 حيث وضعت القرعة الفراعنة في مجموعة تضم الجزائر ورواندا وزامبيا.. في حين طالب البعض بعدم الإفراط في التفاؤل واتخاذ الحذر. وجاءت بداية مشوار التصفيات مخيبة للآمال حيث تعادل المنتخب المصري مع نظيره الزامبي 1-1 في القاهرة ليسيطر التشاؤم علي الجميع وتزداد الأمور صعوبة بالهزيمة من الجزائر 1-3 في عنابة وهي الخسارة التي جعلت الجميع يعتقد بأن حظوظ الفراعنة في التواجد مع الكبار في مونديال جنوب أفريقيا. نقطة تحول وفي خضم تلك الحالة من الإحباط كان المنتخب المصري على موعد مع اختبارا عالميا حينما تواجد في مجموعة انتحارية بكأس القارات والتي ضمت البرازيل وإيطاليا والولاياتالمتحدةالأمريكية، وقدم المنتخب عروضا قوية في مواجهة البرازيل وخسر (3-4) وإيطاليا وفاز (1-0)، ثم خسر بشكل غريب أمام الولاياتالمتحدة (0-3) في الوقت الذي كنا نحتاج فيه فقط للخسارة ولو بهدفين من أجل ضمان التأهل إلي الدور قبل النهائي من البطولة. بعد الخروج من كأس القارات صاحب ذلك انتقادات لاذعة لنجوم الفراعنة واتهامات بفضائح لبعض اللاعبين وهو الأمر الذي رفضه كثيرون من منطلق عدم الإساءة وضرورة عدم إغفال ما حققه المنتخب في المباراتين الأولى والثانية أمام البرازيل وإيطاليا. قمة التحدي وعاد المنتخب ليواصل تحديه في مشوار التصفيات بمعنويات كأس القارات حيث فاز علي رواندا ذهابا وإيابا ثم علي زامبيا في لوساكا. وجاء الحسم أمام الجزائر في القاهرة وكان منتخبنا بحاجة للفوز بثلاثية نظيفة لضمان التأهل المباشر أو هدفين نظيفين للوصول إلي مباراة فاصلة مع الخضر. وكان الخيار الثاني هو ما اختاره المنتخب لنفسه ليصل إلي مباراة فاصلة في أم درمان بالسودان وخسر 0-1 ليودع مشوار التصفيات وسط أجواء حزينة. تجديد الثقة لم يتوان اتحاد الكرة في تجديد الثقة في جهاز المنتخب وحسن شحاتة لمواصلة المشوار خاصة أن الزمن المتبقى قبل بطولة الأمم الأفريقية 2010 كان قليلا للغاية.. وكانت البطولة الأفريقية بمثابة رد اعتبار للكرة المصرية خاصة أن طريق المنتخب للفوز باللقب الثالث علي الثوالي شهد الفوز علي الجزائر في الدور نصف النهائي برباعية نظيفة. بداية الإنهيار عقب الفوز بالكأس الأفريقية السابعة في تاريخ الفراعنة لم يبق أمام حسن شحاتة سوى أن يضع خطة واضحة تضع أقدام المنتخب علي الطريق الصحيح من أجل الوصول إلي مونديال 2014 بالبرازيل، وفي سبيل ذلك كان يتعين علي بطل أفريقيا الحفاظ علي لقبه والمنافسة علي البطولة الرابعة على التوالي. إلا أن الإخفاق كان مصاحبا لبداية مشوار التصفيات المؤهلة لأمم أفريقيا 2012، حيث تعادلت مصر مع سيراليون المتواضع في القاهرة قبل الهزيمة الغريبة من النيجر وأخرى من جنوب أفريقيا في جوهانسبرج، وجاء اللقاء الحاسم في مصير شحاتة والذي تعادل فيه منتخبنا مع "الأولاد" سلبيا وودع البطولة. شحاتة والسياسة لعل القدر الأكبر من الانتقادات التي واجهها شحاتة في الفترة الأخيرة كانت بسبب توجهاته السياسية خاصة إبان قيام الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير الماضي من خلال تأييده للرئيس السابق حسني مبارك وهو الأمر الذي رفضه الثوار وهاجموه بسببه، وعدل المدير الفني للمنتخب من آراءه السياسية مؤخرا مؤكدا أنه لم يكن يدرك حجم الفساد الذي كان موجودا في البلاد، وأنه إذا وجد أي مدير فني دعما مستمرا من رئيس الجمهورية فماذا يمكنه أن يفعل إلا أن يتقبل ذلك بصدر رحب. شحاتة والإعلام شهدت علاقة المدير الفني للمنتخب بوسائل الإعلام المختلفة توترا حيث لم كان شحاتة دائم الرفض لأي انتقاد يوجه له في اختياراته للاعبين أو طريقة اللعب، بل أنه كان أحيانا كثيرة ما يقاطع بعض القنوات بعينها نتيجة لانتقاده. وبعيدا عن تعارض وجهات النظر والاختلافات فأن نهاية مشوار حسن شحاتة تعد ختام لمشوار طويل نسبيا للمنتخب وللكرة المصرية تعد حقبة فارقة وتحتاج إلي دراسة وتقييم لما شهدته من أحداث ونتائج .