إن جمال صفات الله لايزال يبهرني، فما في أوامر الله من توازن بينها وبين صفاته يجعلني خاجلاً مما آلت إليه حياتنا، فما أمرنا بصفة من الصفات إلا وكان سبحانه الكمال في تلك الصفة، أمرنا بالصبر وهو الصبور، أمرنا بالمغفرة وهو الغفور، أمرنا بالعلم وهو العليم، أمرنا بالحلم وهو الحليم، أمرنا بالرأفة وهو الرءوف، قبل أن يأمرنا بالرحمة كتبها على نفسه فوسعت كل شيء. فمن أهم أسباب التوازن هو أن تأتمر أنت أولاً بما تأمر به، وأن تخضع أنت أولا لقيود ما تريد غيرك أن يتقيد به، واعلم أنك إن جاوزت الميزان فإنك أول من تتأثر به، فإن كنت تريد الحرية المطلقة بغير مراعاة لحدود الآخرين فلا تغضب إن جاوز الآخرين حدود حريتك، وإن كنت تريد أن تحطم كل حواجز الآخرين للوصول لحقك، فلا تغضب إن حطم الآخرين كل حواجزك لوصولهم لحقوقهم. لا معنى لمطالبتك بحاكم عادل وأنت تظلم نفسك ولا تستحي من ظلم غيرك، لا معنى أن تطالب بحاكم يسمع ويناقش وأنت لا تعطي لنفسك الفرصة لتسمع حتى من بجانبك، وإن لم ترحم ضعف الآخرين فلا تطلب من يرحم ضعفك، إن الجزاء من جنس العمل، وأثر العقاب من جنس الخطأ، فإن لم نرتب أولوياتنا ونتفق على حاجاتنا فلا نتعجب إن ظهر من يستغل خلافاتنا لصالحه، وإن لم نحفظ بأنفسنا ثرواتنا ونحميها من أفعالنا، فلا نتعجب إن ظهر من يستهين بنا ويسرقها من أمامنا، إن لم نبدي لبعضنا البعض التزامنا بمبادئنا وأخلاقنا فكيف نطالب الغير باحترامنا؟؟؟ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإن ظلت أنفسنا على عيوبها فلا تغيير لما بأقوامنا من عيوب، وإن لم يخلع كل منا ثوبه الفاسد القديم من نفسه بنفسه فلن يداري ما بملابسه من ثقوب، إن فرصة التغيير لازالت قائمة، فإن لم نستغلها لنعترف بما بنا من ذنوب، فكيف يغفر الله لأقوام لا تريد أن تتوب؟ كفانا تبادل للاتهامات فيما بيننا، أما آن لرشدنا أن نعود، فلننظر لمن يبني أوطانه حولنا، ونشعل أوطاننا حرائق تنتظر العود، اللهم اغفر لقومي وعلمهم إن كانوا لا يعلمون.