العيش في مقابر القاهرة المتداعية جانب مظلم للسياسة في مصر. تقول الجماعات المدافعة عن حقوق سكان المقابر، إن ما يصل إلى مليون ونصف المليون من أفقر سكان مصر يعيشون بين الموتى. ويقول محللون، إن هذه المجتمعات أصبحت محط أنظار للساسة الطامحين في السلطة الذين يشترون أصوات ساكنيها بحفنة من الجنيهات. لكن هذه الجماعات تقاوم تلك المحاولات الآن. وأسس حامد مدحت جمعية "العالم بيتي" الخيرية عام 2007 للعمل على رفع مستوى دخل ساكني المقابر في القاهرة وتحسين الرعاية الصحية التي يحصلون عليها. وذكر مدحت ل"رويترز"، أن الجمعية تعمل على تعليم سكان المقابر من خلال ندوات، في محاولة لوقف عملية شراء الأصوات. وقال مدحت في مقابلة بمقر الجمعية في حي البساتين بجنوب القاهرة "نسبة الأمية عالية عندنا طبعا. إحنا بنرعى الناس اللي عايشين في المقابر. هم ناس غير قادرين على الحياة في أي مكان ثاني.. غير قادرين أنهم يبحثوا عن حياة عادية". وبعد تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة يوم 11 فبراير بعد ثورة 25 يناير، لكن مدحت ذكر أن سكان المقابر كانوا معزولين عن الثورة الشعبية. وقال مدحت: "هؤلاء الناس لم يكونوا يعرفون موضوع الثورة بسرعة. عجلة الأحداث عندهم أبطأ شوية من الخارج. فأردنا أن نجعلهم على مستوى الحدث. عملنا مشروع المشاركة الشعبية في الديمقراطية تحت عنوان لا تبيع صوتك. كنا معاصرين على فترات مختلفة ناس بيبيعوا صوتهم للمرشح علشان ياخذوا فلوس. إحنا بنحاول نمنع ده لأننا إذا فشلنا فيه ستفشل الثورة ثاني وح نبني حكومة فاسدة". ويعيش سكان المقابر في عزلة في ظروف مزرية. حيث تعيش أم فاطمة وابنتها حياة كفاف الانشغال بالسياسة فيها ترف. وقالت أم فاطمة: "سمعت كلام غلط إن حسني مبارك أخذ فلوس الشعب وضحك على الشعب بقى له 30 سنة ومفيش تقدم لنا. وبنأكل من الزبالة وخلاص الفقير بيعدم شبابه.. بيأكل من الزبالة.. مفيش فلوس يأكل. وده بخمسة وده بستة في السوق. الطماطم بستة جنيه.. الفقير يأكل إزاي ويعمل إزاي. رغيف العيش دلوقتي الخمسة بجنية... كده اللي عنده أربع عيال أو خمس عيال يأكل كم رغيف بقى في اليوم حاف. الحقيقة الغلبان هنا تعبان.. تعبانين خالص وساكتين. بس ح نعمل إيه". وذكرت أم فاطمة أن دخلها السنوي نحو 1200 جنيه مصري، بينما أشارت بيانات البنك الدولي إلى أن متوسط دخل الفرد في مصر تجاوز نحو 11 ألف جنيه. ويساور المدافعون عن حقوق سكان المقابر القلق من احتمال أن يدفعهم فقرهم الشديد لبيع أصواتهم في الانتخابات. وقالت منى حسين، المتطوعة في جمعية "العالم بيتي": "هم لما مثلا حد يديهم 50 جنيه تفتكر حضرتك ح يرفضوها. لأ طبعا مش ح يرفضوا. هم ح يأخذوها ويحطوا صوتهم عادي خالص مفيش أي حاجة.. ولا فيه أي حاجة حصلت ولا فيه ثورة. وبالنسبة لهم ح يأخذوا الخمسين جنيه وح يبيعوا صوتهم. بس.. فإحنا بنحاول نخليهم ما يعملوش كده . بنحاول نوفر لهم بدائل. بدل ما يأخذوا منهم نحاول نديهم علشان ما يبيعوش صوتهم". وساعد ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة في إطلاق الشرارة لحركة احتجاجية، أطاحت بمبارك في وقت سابق من العام الحالي. لكن عجلة الاقتصاد المصري الآن اقتربت من التوقف مع توقعات بتراجع معدل النمو إلى 1% هذا العام مقارنة 5% قبل الثورة.