جاء وزير الدولة للتجارة الخارجية الفرنسى، بيير لولوش، أمس إلى القاهرة، فى أول زيارة له عقب ثورة 25 يناير، ليلتقى رئيس الوزراء عصام شرف وبعض أعضاء حكومته الانتقالية وعددا من المسئولين السياسيين، من بينهم شباب الثورة المصرية والإخوان المسلمين، وذلك فى مبادرة من فرنسا لدعم عملية التحول الديمقراطى الحالية فى مصر. «الشروق» حاورت الوزير الفرنسى لتتعرف على اتجاهات الدولة الأوروبية، التى تربطها علاقات قديمة بمصر، توطدت فى عهد الرئيس المصرى السابق، الذى ربطته علاقات قوية برؤساء فرنسيين عاصروا حكمه، خاصة جاك شيراك ونيكولا ساركوزى. رسالة ثقة للحكومة الانتقالية ● ما الهدف من هذه الزيارة إلى مصر؟ وما رؤيتكم للتعاون المصرى الفرنسى فى ضوء التطورات الجديدة؟ هذه الزيارة الاقتصادية الأولى التى يجريها وزير من الحكومة الفرنسية منذ بداية الثورة المصرية، وهدفها الأساسى توجيه رسالة ثقة للسلطات المصرية، أى الحكومة الانتقالية وأيضا مختلف رموز الحوار الديمقراطى الذين سألتقى بهم، وهى ثقة فرنسا فى نجاح العملية الانتقالية الديمقراطية التى تُجرى حاليا، وثقة الشركات الفرنسية فى الاقتصاد المصرى فى مرحلة رئيسية تمر بها مصر. فمصر تحتاج حاليا إلى الاستثمارات الأجنبية، ولذلك يرافقنى فى هذه الزيارة نحو عشرين شركة فرنسية، كبيرة ومتوسطة وصغيرة، فى قطاعات متنوعة للغاية، كالسياحة والبناء والبنوك والبنية التحتية، ف«نحن ملتزمون بالوقوف بجانب مصر»، بحسب قول لولوش. ويضيف لولوش إن العالم بأكمله يحترم هذا التحول الديمقراطى، ف«الثورة المصرية تجسد تطلع شعب للتمتع بحقوقه وحرياته فى إطار ديمقراطى»، كما جاء على لسانه، مشيرا إلى أن الشباب الذى طالما عانى من صعوبة إيجاد فرص عمل جديدة يوفرها له النظام الاقتصادى، كان الشعلة التى أثارت هذه الثورة. ● وما رؤيتكم للاقتصاد المصرى فى الفترة المقبلة؟ هل تروون، خاصة فى ضوء تراجع توقعات صندوق النقد الدولى لنموه إلى 1%، أنه فى خطر؟ يمر الاقتصاد المصرى والمؤسسات المصرية بمرحلة انتقالية وهى بالضرورة مرحلة دقيقة فى إدارتها، ولكنى على ثقة تامة من قدرة الشعب المصرى فى ابتكار ديمقراطية حديثة وفى الوقت نفسه اقتصاد واعد للمستقبل، ف«الديمقراطية والاقتصاد الواعد أمران متلازمان لا يستقيم أحدهما دون الآخر». ويضيف لولوش «نحن نتفهم جيدا ذلك»، فالاقتصاد المصرى تأثر بالأحداث الجارية، فقد تراجع أفق النمو، ولكن يجب أن نرى فى ذلك النتيجة الطبيعية لحركة بطيئة فى البنوك والمصانع والبورصة خلال الأسابيع الماضية. ف«مصر تملك كل الكروت بيدها السياحة والزراعة والصناعة» كى تستعيد السير سريعا جدا على درب النمو. ونحن هنا من أجل مساعدتها لتحقيق ذلك فى الوقت الذى يبدى فيه المستثمرون الأجانب ترددا فى البقاء بمصر»، بحسب قوله. نحن نحترم الديمقراطية ● هل ستواصلون نفس القدر من التعاون مع مصر فى حالة وصول أى من التيارات الإسلامية إلى الحكم؟ فرنسا على أتم الاستعداد للتعاون مع أى من التيارات فى حالة وصولها إلى الحكم، وإذا وصل الإخوان إلى السلطة، فسيكون ذلك اختيار الشعب المصرى، ولن نعارض ذلك، ولن نغير من شكل تعاوننا مع مصر، فنحن نحترم الديمقراطية. ● تم التحفظ على أموال عدد كبير من رجال الأعمال المصريين لاتهامهم بالفساد أو بالتربح، فهل كان من بين هؤلاء شركاء لفرنسا؟ وهل سيكون لذلك أى تأثير على التعاملات بين البلدين؟ فرنسا شريك تجارى واقتصادى من الطراز الأول لمصر، كما أن مصر تعد شريكا رئيسيا لنا فى الشرق الأوسط، وهى عميلنا التجارى الأول، وهذه روابط ملموسة وقوية ودائمة ولا يجب أن ننظر إليها بنظرة متشككة، بل بنظرة متفائلة فى الوقت الذى تستعد فيه فرنسا ومصر لكتابة صفحة جديدة فى علاقاتهما، يقول لولوش. ● ألن يكون للاضطرابات التى تشهدها المنطقة العربية، بصفة خاصة ليبيا، أى تداعيات على علاقات فرنسا مع دول جنوب المتوسط؟ تحقق فرنسا فى جنوب المتوسط 50 مليار يورو من المبادلات التجارية، أى 15% من الحجم الإجمالى لمبادلاتنا، كما ان هناك ما يقرب من 3000 شركة فرنسية موجودة فى جنوب المتوسط، توفر ما يزيد على 300 ألف فرصة عمل وتخلق استثمارات تزيد على 30 مليار يورو. «إن مصائرنا مرتبطة بعضها البعض. وإننى لا أرى الربيع العربى كتهديد ولكن كفرصة رائعة لتقوية روابطنا من أجل مرافقة السير على درب الديمقراطية وتطلعات الشعوب»، يقول لولوش مؤكدا على حرص دولته على فتح صفحة جديدة مع شعوب منطقة البحر المتوسط ومساعدتهم على بناء مصير مشترك وهو أمر طال انتظاره كثيرا. ونحن نبذل قصارى جهدنا حتى لا نتخلف عن وعودنا التجارية والتمويلية مع الجنوب. ● كان للرئيس السابق حسنى مبارك علاقات قوية برؤساء فرنسا، فهل سيمثل هذا حرجا لكم فيما يتعلق بتجميد حساباته وأسرته؟ اتخذت فرنسا موقفا مثاليا فى عملية تجميد الحسابات البنكية الخاصة بشخصيات مرتبطة بالنظام السابق الذى تم اسقاطه، ولم تشعر بحرج صدد ذلك. فمنذ اللحظة التى تلقينا، فى شهر فبراير الماضى، طلبا تقدمت به السلطات المصرية الجديدة بتجميد حسابات نحو عشرين شخصية، منهم عائلة مبارك ووزراء سابقون، ساندنا التنفيذ السريع للإجراءات الملائمة على المستوى الأوروبى. وقد دخلت هذه الإجراءات حيز التنفيذ منذ 21 مارس الماضى. وأذكركم أيضا بأن فرنسا قد طالبت، منذ 15 فبراير، من الشركاء الفرنسيين لرجال أعمال مصريين بالتحلى بأعلى مستوى من اليقظة بخصوص العمليات المالية التى لها علاقة بمصر.