الثورة المصرية يمكن بثقة كبيرة اعتبارها وليدة التكنولوجيا الحديثة، ابنة بارة بشبكات التواصل الاجتماعى، وبأساسيات التواصل الرقمى لتبادل الصور ومقاطع الفيديو والبيانات والمعلومات، لم تكن التكنولوجيا هى الأب الروحى للثورة المصرية فحسب، وإنما كانت أيضا أداة نادرة الجودة لتسجيل اللحظة التاريخية الفارقة فى تاريخ مصر بصورة لم يسبق لها أى مثيل على الإطلاق. ذاكرة مصر الرقمية عن ثورة 25 يناير هى الأهم حاليا، هى الكنز الذى ينبغى علينا جميعا المحافظة عليه، ونقله إلى الأجيال القادمة، التى لم تحظ بفرصة عيش هذه اللحظات النادرة فى تاريخ الأمم، الصور الرقمية التى تم التقاطها بأعداد هائلة، مقاطع الفيديو التى تصور شجاعة مذهلة للمتظاهرين أمام ترسانة الآلة البوليسية وجيوش الأمن المركزى، كل هذه المواد يجب علينا جميعا المحافظة عليها بكل ما نملك من إمكانات، لتظل منارة مشعة وملهمة للأجيال القادمة، ولكل العصور الآتية على مصرنا الحبيبة. من هنا جاءت دعوة مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى التابع لمكتبة الإسكندرية للمشاركة فى مشروع عملاق لتوثيق أحداث الثورة المصرية فى 25 يناير، وهو المشروع الذى يتكامل مع المشروع الأكبر الذى تتبناه المكتبة لتوثيق ثورة 25 يناير بصورة رقمية صالحة لكل العصور، والذى دعت جميع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدنى والهيئات والمؤسسات المختلفة للإسهام فيه بما يمتلكونه من مواد رقمية، مع الاحتفاظ بجميع حقوق الملكية الفكرية لأصحاب المواد المستخدمة فى توثيق الثورة. عن الأسباب التى دعت المركز إلى تبنى هذا المشروع، وعن طرق تجميع المواد، وطرق فرزها والاختيار من بينها وغير ذلك من الموضوعات المتعلقة بعملية تأريخ الثورة المصرية، كان لنا هذا الحوار مع المهندس محمد فاروق نائب مدير مركز توثيق التراث. ما الهدف من هذا المشروع فى هذا الوقت؟ الهدف الأساسى من مشروع توثيق الثورة المصرية هو المحافظة على الذاكرة الوطنية للأجيال القادمة، عن طريق فرز المواد الرقمية المرسلة إلينا وتصنيفها بشكل علمى ومنهجى، وعرضها على الراغبين فى إعادة استلهام اللحظة التاريخية الحاسمة، سواء من مصر أو من كل أنحاء العالم، وتأتى أهمية الدعوة إلى هذا المشروع الآن إلى القرب الزمنى من أحداث الثورة التى ما زلنا نعيش تحت ظلها منذ 25 يناير الماضى، وهو ما يعتبر وقتا مثاليا لجمع المواد وأرشفتها واستخدامها لإبداع تأريخ حقيقى رقمى لثورة 25 يناير. ولكن هناك العديد من الجهات التى أقامت بعض المعارض التوثيقية لأحداث الثورة، فما هى الأسباب التى دعت المركز إلى الاهتمام بعملية توثيق الثورة، وهو ما قد يكون حدث بالفعل من خلال تلك المعارض ومن خلال شبكة الإنترنت؟ فى البداية فإن المركز الذى نعمل فيه يحمل اسم مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى، لذلك فمن الطبيعى والواجب علينا أن نولى اهتماما خاصا لعملية توثيق حدث بضخامة الثورة المصرية، ونحن فى الحقيقة نعمل تحت مظلة المشروع الأكبر لتوثيق الثورة المصرية الذى أطلقته مكتبة الإسكندرية التى يتبع لها المركز، وفى الحقيقة فإن المركز بما يملكه من إمكانات ومساحات تخزين كبيرة وخادمات خاصة يشكل فرصة مثالية لبيئة ملائمة لتوثيق الثورة بشكل موضوعى وملم، مع ملاحظة أن الأجهزة الصلبة الخاصة بالأفراد قد تتعرض للتلف، وبالتالى قد يفقد المستخدم جميع البيانات الموجودة عليها، ولكن هذا غير قابل للحدوث لدينا مثلا. وما هو دور مركز توثيق التراث فى مشروع مكتبة الإسكندرية لتوثيق الثورة؟ ارتأت مكتبة الإسكندرية أن نساعدها فى مشروع توثيق الثورة لعدة أسباب، منها موقعنا الجغرافى فى القاهرة، والذى يساعدنا على سهولة الحصول على البيانات الرقمية من المقيمين فى القاهرة خاصة إذا ما كان حجمها كبيرا بحيث لا تصلح للإرسال على البريد الإلكترونى الذى خصصه المركز لعملية توثيق الثورة، أما السبب الأول والأهم هو صناعة عرض تفاعلى لائق على بانوراما التراث، والتى ندعو جميع المواطنين إلى القدوم إلى المركز لمشاهدتها مجانا، على أن يتصلوا فقط قبل قدومهم لإبلاغ المركز. وكما تعرف فقد حصل المركز على براءة اختراع خاصة ببانوراما التراث، وهى شاشة العرض نصف الدائرية العملاقة، المكونة من تسع شاشات سينمائية موضوعين بشكل متلاصق بجانب بعضهم البعض، والتى تتميز بالتفاعلية الكبيرة، والقدرة على تخزين كمية كبيرة من البيانات والمعلومات وعرضها على جمهور المشاهدين بشكل تفاعلى جذاب، ومن الممكن بعد أن ننتهى من صنع عرض بانوراما التراث أن ننقلها بعد ذلك إلى الشارع فى ميدان التحرير أو أى مكان آخر، حتى يجمع المشاهدون ما بين روح المكان وبين التكنولوجيا التفاعلية للعرض. متى يستطيع المصريون أن يشاهدوا عرض بانوراما التراث الخاص بالثورة المصرية؟ نحن بدأنا بالفعل فى العمل على عرض بانوراما التراث الخاص بتوثيق الثورة، والانتهاء من صناعة العرض يتوقف على حجم المشاركة الجماهيرية فى إمداد المركز بالبيانات المطلوبة، وإن كانت النسخة الأولى من العرض لن تظهر إلى النور قبل ثلاثة شهور تقريبا، إلا أنه من المهم هنا أن العمل سيظل مستمرا على جمع البيانات وتحسين مستوى العرض حتى بعد اكتمال النسخة الأولى من العرض واستعراضها أمام الجماهير بالفعل. هل هناك طرق أخرى للاستفادة من البيانات الرقمية التى يتم تجميعها؟ من ضمن الخطط الموضوعة فى المشروع أن يقوم المركز بإطلاق موقع احترافى على شبكة الإنترنت لتأريخ الثورة المصرية، بحيث يوفر للمستخدم حيثما كان موقعه إمكانية إلى بيانات منظمة ومتنوعة متعلقة بالثورة، واستعراض كم هائل من الصور ومقاطع الفيديو التى تم تجميعها، كما سنقيم بالتأكيد مجموعة من المعارض لأكثر الصور التى تصل إلينا تميزا، مع الاحتفاظ بجميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة لأصحابها. وعن طريقة فرز واختيار المواد الواصلة إلى المركز يقول المهندس محمد خليل مسئوول الأبحاث أنه سوف يكون هناك كوادر فنية مدربة، تقوم بفرز المواد المجمعة استنادا على عاملى الأهمية والجودة، ثم تقوم باختيار مفرزات نهائية وتجميعات خاصة من هذه المواد تحت تصنيفات مختلفة، ومن الجدير بالذكر أن مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى يقع فى الكيلو 28 طريق القاهرةالإسكندرية الصحراوى بداخل القرية الذكية، ويستطيع القراء المشاركة بالمواد الرقمية التى قاموا بتسجيلها أثناء الثورة عبر البريد الإلكترونى التالى. [email protected]