«نظام المفاوضة الجماعية الذى أقره قانون العمل الصادر منذ عام 2003 لم يكن مفعلا، وذلك لأن العمال لم يكونوا راغبين فى أن تتفاوض النقابات العمالية باسمهم لأنها لا تمثلهم وهذا هو ما أفشل عملية المفاوضة فى مصر»، بهذه اللغة الصريحة تحدث وزير القوى العاملة والهجرة، أحمد حسن البرعى، لنخبة من القيادات العمالية والمهتمين بسياسات العمل فى مصر فى ندوة بساقية الصاوى، مساء أمس الأول، عن سياسات الحكومة الجديدة تجاه العمال. ولم يكن مستغربا سماع تصريحات البرعى المتفهمة لمطالب العمال وهو خبير معروف باحتكاكه القوى بالحركات العمالية، ووجه من الوجوه التى شاركت بحماس فى تظاهرات ميدان التحرير، الأمر الذى دفع لترشيحه كأول وزير للقوى العاملة بعد الثورة. ولأنه وزير ثورى فى حكومة ثورية كان طبيعيا أن يعيد النظر فى بيانات النظام السابق عن معدلات البطالة، حيث وصف وزارة القوى العاملة السابقة ب«الكاذبة» فى بياناتها عن البطالة، وقال إن المعدل الحقيقى للبطالة كنسبة من القادرين على العمل يبلغ 19%. «قد يكون ذلك أول اعتراف حكومى بعدم دقة البيانات الرسمية عن البطالة، لكن الأمر يستلزم اجراء دراسة دقيقة عن معدلاتها فى البلاد» برأى مجدى صبحى، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية، مشيرا إلى أن الدولة لا تسمح لأى جهة غير حكومية بإجراء دراسات لقياس معدل البطالة. وقال صبحى إنه لم يتم تقدير حجم البطالة بناء على البيانات القديمة فلن تتجاوز 11%، «لذا يجب أن يجرى حصر جديد». ويعرف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء المشتغلين بأنهم الذين يعملون لساعة واحدة على الاقل فى الأسبوع السابق لجمع بيانات قوة العمل، وقد أعلن الجهاز الأسبوع الماضى عن تراجع معدل البطالة فى الربع الأخير من 2010 إلى 8.9% مقارنة ب9.4% فى نفس الفترة من العام السابق، الذى كان متأثرا بتداعيات الأزمة المالية العالمية آنذاك. ويشير صبحى إلى أنه إذا كان وزير القوى العاملة قد بنى تقديره لمعدل البطالة على أساس تعريف مختلف للبطالة فيجب أن يتم الافصاح عن ذلك «لقد تلقت وزارة المالية نحو 7 ملايين طلب للتوظيف وهو ما قد يكون مؤشرا مهما عن وضع سوق العمل فى مصر حيث يمثل هذا العدد نحو 30% من القوى العاملة، إلا أننا يجب أن نلتفت الى أن نسبة مهمة من أصحاب هذه الطلبات يعملون بالفعل، ويبحثون عن فرص أخرى». القضية الثانية التى أثارها البرعى فى ندوة أمس تتعلق بالحد الأدنى للأجور والتى أثارت جدلا واسعا قبل الثورة، حيث وعد بالاعلان عن مشروع لوضع حد أدنى وحد أقصى للأجور خلال فترة لن تزيد على ستة أشهر، وتقوم رؤية البرعى على أن يضمن الحد الأدنى توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، لذا سماه الوزير «حد الدفاع الاجتماعى». «هذه تصريحات مبشرة وتتبنى المفهوم الحقيقى للحد الأدنى للأجور، ولكن نتمنى أن تكون هناك دراسة متكاملة حول قدرة الجهات المختلفة على الالتزام بهذا الحد سواء من الحكومة أو القطاع الخاص» كما يضيف صبحى. وأكد البرعى فى سياق حديثه عن رؤيته لإصلاح سوق العمل على ضرورة استفادة العمال من الارباح المتحققة فى الشركات حتى يكون ذلك حافزا لهم على تحقيق الإنتاجية التى تساهم فى زيادة تلك الأرباح ، وقال إنه سيطالب بتعديل قانون الشركات المساهمة فيما يتعلق بحق العمال فى الحصول على ما لا يقل عن 10% من أرباح الشركة، مشيرا إلى أن القانون ينص على حق العمال فى الارباح الموزعة، والتى كثيرا ما يتم تأجيل توزيعها، وأنه سيطالب بأن يكون حق العمال فى الأرباح المحققة بغض النظر عن موعد توزيعها. ويرى هانى جنينة، محلل الاقتصاد الكلى ببنك الاستثمار فاروس، أن هذا الاقتراح «إيجابى» وأن الشركات تستطيع أن تعيد هيكلة نظامها المالى لتتواءم معه، «اعتقد أن الشركات ستتجه فى هذا الوضع الى تقليل الرواتب الأساسية، والاعتماد على زيادة أجور العاملين من خلال نصيبهم فى الأرباح، وهو النظام الذى يطبق بالفعل فى قطاع السمسرة فى الأوراق المالية. وميزة هذا النظام أنه يجعل حوافز العاملين مرتبطة بقدرتهم على زيادة أرباح الشركات»، مؤكدا ضرورة أن يتم توزيع الارباح بناء على معدلات إنتاجية كل عامل. ويعتبر إعلان البرعى أمس عن اعتراف الدولة بحق العمال فى انشاء نقاباتهم المستقلة لحظة فارقة فى السياسات الاقتصادية بالبلاد، الأمر الذى دعا الوزير نفسه للتعليق بأنه لم يكن مصدقا أنه يعلن هذا البيان «للحظات تخيلت أننى أحلم». ويرى صبحى أن تحرير النقابات العمالية من سلطة الدولة سيساهم بشكل كبير فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى لما سيوفره من تمثيل مستقل للعمال يمكنهم من التفاوض على حقوقهم، إلا أنه أكد ضرورة أن يعمل العمال على تشكيل لجان بحثية داخل تلك النقابات توفر رؤية عميقة عن اقتصاديات الشركات التى يعملون بها، ومؤشرات التضخم على مستوى الاقتصاد الكلى والتى سيتفاوضون على أساسها على الأجور.