أكتب تلك الكلمات ومازالت – وأجزم أن مثلي كثيرون- لم استطع استيعاب غالبية المشاهد التي رشحت عن مخاض ثورة 25 يناير الرائعة. فمازالت أذني -و عيني - لم تألف بعد مصطلح "الرئيس السابق" أو "الرئيس المخلوع" حسني مبارك. كما لم استطع بعد استيعاب صورة بعض الفاسدين وراء القضبان في انتظار حكم يرسخ سُنة من سُنن الخالق... ألا بُعداً للظالمين. كما لم استطع بعد استيعاب صورة أولئك الشباب الرائعون وهم يرسمون لي حلم التغيير الوردي، لاسيما أني وقد وصلت لبئر اليأس من هذه الفئة من الشباب وأنا قريب منهم بحكم تدريسي لهم في جامعة الإسكندرية. ومازال في فمي طعم الدهشة العذب من فعل أولئك الشباب في الشوارع أثناء وبعد الثورة؛ فقد جعلوني أقف على أطرافي استشرف حبيبتي مصر القادمة. وجعلوني أرتشف شهد الفخر وأنا أتتبع أراء العالم فينا عبر فضائيات العالم الحر. في الواقع هناك الكثير من المشاهد الخالدة التي لا أعرف هل سأستطيع استيعابها خلال ما أذن لي ربي من عمر، أم لا. إلا أنه مثلها مثل أي ثورة قد تفرز بعض المشاهد السلبية التي قد تجد نفسك غير مُتسقاً معها. وأكثر ما لفت انتباهي من تلك المشاهد السلبية هو مشهد "التخوين" الذي وجدته يتناقض مع براءة وطهارة ثورتنا. وأجزم أنني لم أستطع ملاحقة الصفحات التي أنشئت على مواقع التواصل الاجتماعي والمقالات المنشورة على صفحات الجرائد و البرامج المذاعة في وسائل الأعلام، والتي يرتع فيها ذلك المفهوم الشاذ الذي بُني على التخوين. فقد شاع مصطلح جديد يسمى "المتحولون" ويقصد به أولئك الذين كانوا من شيعة النظام السابق وما أن تيقنوا من بزوغ الفجر حتى باتوا يتوضؤون بماء الثورة، ثم لعنوا وسبوا النظام السابق وهدموا ما كانوا فيه يتعبدون. وبطبيعة الحال أنتشر في الأجواء لعنة تخوين أولئك المتحولون. وأصبحت هناك قوائم سوداء تشمل أسماءهم في شتى المجالات لاسيما الجماهيرية منها، مثل الفن والرياضة والصحافة والسياسة .. إلخ . وانتشرت المطالبات "بتنحي" أولئك المتحولون كما "تنحى" رأس النظام. أؤكد لكم أن أي نفس سوية ينبغي لها أن تشعر بالغثيان من أولئك المتحولون، خاصة وأن رائحتهم تدل عليهم. ولكن دعوني أطرح التساؤل التالي: كيف أن التلاحم الرائع بين المسلمين و المسيحيين أثناء الثورة رسخ لفكرة تقبل الآخر حتى ولو كان يختلف معي في عقيدتي الدينية. أليس بالأجدر أن نمرن أنفسنا على تلك الفكرة سياسياً، لا سيما وأن الغد يتطلب ذلك؟ وإذا تركنا أنفسنا لنحاكم كل من اختلف معنا فها نحن نسير على خطي من تنحوا بدم شهدائنا. وصرنا نلبس عباءتهم ونردد كلماتهم التي ينبغي علينا محوها من قاموس لغلتنا الجديدة. علاوة على ما سبق أن الانشغال بفكرة التخوين يهدر جزء من طاقتنا التي نحتاجها للغد. علينا أن نترك أولئك المتحولون إلى قضاء الله في الدنيا والآخرة وأن نعمل على شحذ هممنا الإيجابية لبناء وطن يليق باسم مصر الخالد، فهي للمجد أجدر.