على عكس الخيارات الأسهل التي كانت متاحة لإدارة الرئيس أوباما في التعامل مع الثورة الشعبية المصرية من خلال الضغط العلني على الرئيس مبارك للاستجابة لمطالب شعبه، والتأثير الأمريكي على دور القوات المسلحة المصرية من خلال العلاقات الخاصة والمساعدات العسكرية الأمريكية، يقف البيت الأبيض حائرا إزاء ما يمكن أن يفعله مع العقيد القذافي الذي يصر على أن ترتكب قواته المسلحة، وميليشيات المرتزقة مذابح لقمع انتفاضة الشعب الليبي. صحيح أن الرئيس أوباما فرض عقوبات اقتصادية على العقيد القذافي وأسرته وأعضاء حكومته، وصحيح أن الولاياتالمتحدة نجحت في حشد التأييد لاستصدار قرار بفرض عقوبات دولية على ليبيا، بل واعتبار الهجمات على الشعب الليبي جرائم ضد الإنسانية تستدعي الملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن البيت الأبيض استدعى مجموعة من الخبراء والدبلوماسيين السابقين لبحث خيارات أخرى. مراسل swissnfo.ch في واشنطن التقى السيد سكوت كاربنتر، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط، عقب مشاركته في مناقشة تلك الخيارات مع مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي توم دونيلون، وقال للموقع الإخباري: "أعتقد أن هناك اختيارات كثيرة أمام الولاياتالمتحدة للتعامل مع الوضع المتردي في ليبيا، ولكن هناك أولويات: الأولى، المسارعة فورا في تقديم مساعدات إنسانية للشعب الليبي في المناطق التي سيطر عليها الثوار، ابتداء من المنطقة الشرقية، وهو ما انطوى عليه قرار مجلس الأمن، والثانية، المسارعة في إرسال مستشارين عسكريين أميركيين إلى مقر حلف الأطلسي، والإعلان عن ذلك، والثالثة، أن تعلن إدارة أوباما بوضوح أن الولاياتالمتحدة لا تعتقد أنه بوسع العقيد القذافي أن يتمسك بالبقاء في منصبه، أو أنه سينتصر على الانتفاضة الشعبية الليبية، أو أنه سيُسمح له باستعادة المناطق التي سيطر عليها الثوار، وهو ما أوضحه الرئيس أوباما، والرابعة، أن تصر الولاياتالمتحدة على فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، وأن تناقش هذا الخيار بشكل علني، ليتم إنجاز قرار دولي أو إقليمي بشأنه". ولكن ما العوائق والعقبات التي قد تبقى حائلا دون تمكن الولاياتالمتحدة من استخدام خيارات حاسمة قد تنقذ الشعب الليبي من مجازر القذافي؟ وعن التصور للتغير الأميركي المحتمل في التعامل مع ليبيا بعد سنوات من التقلب الأميركي بين الخصومة للنظام، ثم تطبيع العلاقات، والآن مساندة الثورة قال سكوت كاربنتر: أعتقد أن الولاياتالمتحدة وقعت في تناقضات واضحة في تعاملها مع النظام الليبي، فخلال الفترة من 1980 وحتى عام 2003 كانت الولاياتالمتحدة أقوى خصم للنظام الليبي بقيادة العقيد معمر القذافي، ولكن بعد غزو العراق في عام 2003 غيرت الولاياتالمتحدة موقفها مقابل تخلي النظام الليبي عن أسلحة الدمار الشامل، ووقف تمويله للإرهاب الدولي. وصحيح أن خلو ترسانة النظام الليبي من أسلحة الدمار الشامل خفف إلى حد كبير من وحشية التعامل مع الانتفاضة الشعبية، حيث كان يمكن أن يستخدم الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية ضد شعبه، ولكن يتعين أن يرسل البيت الأبيض رسالة واضحة للشعب الليبي، مفادها أن الولاياتالمتحدة تساند المطالب المشروعة للانتفاضة الشعبية، وتقف مستعدة تماما لمساندة من سيتولى حكم ليبيا بعد نجاح الانتفاضة الشعبية. وعن التغيرات المحتمل أن تطرأ على السياسة الأميركية في العالم العربي إذا نجحت الثورة الليبية في تغيير النظام، والتي تمكنت مصر وتونس من إنجاح عملية التحول نحو الديمقراطية قال كاربنتر: "أعتقد أن الولاياتالمتحدة يجب أن تظهر للعالم حماسا أكثر إزاء سلسلة الانتفاضات والثورات الشعبية التي تكتسح العالم العربي الواحدة تلو الأخرى، بدلا من أن تظهر بمظهر من سيتخوف من القادم في أعقاب سقوط أنظمة حكم مستبدة وحليفة للولايات المتحدة، فالشعوب العربية أخذت زمام المبادرة في تحديد مستقبلها، وها هو الشعب الليبي قد أوشك على الخلاص من الحاكم المزمن معمر القذافي الذي رزح تحت نير حكمه أكثر من 42 عاما. وسيكون هذا أمرا رائعا يجب ألا تخشى منه الولاياتالمتحدة التي ينبغي أن تساند وتشجع رياح التغيير والتحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، بعد أن أصبحت أفكار الشعوب العربية تتماشى مع المبادئ والقيم الأميركية. أما عن موقف البيت الأبيض، إذا أمكن للانتفاضة الشعبية الليبية إسقاط نظام معمر القذافي قال سكوت كاربنتر: "بكل أسف لن يكون هناك انتقال سلمي سلس للسلطة في ليبيا، لأنه بعد 42 عاما من دكتاتورية العقيد القذافي تم إجهاض كل مؤسسات الدولة، وحالت سلطويته دون بناء مؤسسات المجتمع المدني للاضطلاع بمهام البناء الديمقراطي، كما أن النظام الليبي لم يسمح حتى ببرلمانات وهمية كتلك التي أقامها النظام المصري البائد، لذلك ستمر ليبيا بعد سقوط القذافي بمرحلة بالغة الصعوبة، وستواجه الولاياتالمتحدة والمجتمع الأوروبي تحديا هائلا في غمار محاولتهما تقديم المساعدة لتأمين استقرار الأوضاع في ليبيا، وإعادة البناء السياسي والاقتصادي للبلاد، وسيواجه البيت الأبيض في ليبيا وضعا أشبه ما يكون بوضع العراق في أعقاب سقوط صدام حسين، ومحاولة كل القوى داخل ليبيا تحقيق مكاسب على حساب بعضها البعض، ولكن الوضع سيكون أفضل من العراق لأن تعداد ليبيا أقل ولديها ثروة بترولية كبيرة تسمح إذا استخدمت بكفاءة بإعادة البناء بسرعة، وتوفير الاستقرار بشكل أسرع".