جمع معمر القذافي وأبناؤه طيلة أربعين عامًا من الحكم أموالاً طائلةً، مصدرها عائدات النفط.. هكذا يقول المعارضون الليبيون في الخارج، لكن ما حجم هذه الثروة؟ وأين هي؟ وكيف يوظفها "ملك ملوك إفريقيا" في خدمة مصالحه؟ تكثر التكهنات والتقديرات بشأن حجم الثروة التي يملكها معمر القذافي وعائلته، في ظل غياب أرقام وإحصائيات تؤكد حجم الأموال التي هربها إلى الخارج أو التي يكتنزها داخل البلاد طيلة أربعة عقود من جلوسه على عرش أحد أغنى دول العالم المنتجة للنفط. فصحيفة "الجارديان" البريطانية ذكرت في عددها الصادر الأربعاء (22 فبراير 2011) أن"هناك فجوة بالغة من مليارات الدولارات تظهر سنويا بين عائدات النفط والغاز الليبي وبين الإنفاق الحكومي"، مؤكدة أن هذا الخلل الواضح بين حجم العائدات وحجم الإنفاق هو المصدر الرئيسي لثروة القذافي وحاشيته. ووجدت الصحيفة البريطانية صعوبة في تقدير حجم هذه الأموال، إلا أنها نقلت عن مصدر لم تسمه أن أفراد عائلة القذافي أودعوا مليارات الدولارات في حسابات سرية في دبي، وربما في جنوب شرق آسيا ودول خليجية أخرى. بينما أفادت صحيفة "فايننشيال تايمز"، نقلاً عن برقيات دبلوماسية أمريكية سرية، حصل عليها موقع "ويكيليكس"، أن الزعيم الليبي معمر القذافي أقام إمبراطورية مالية ضخمة هي مصدر خلافات جدية بين أبنائه. من أين تبدأ ثروة القذافي؟.. وأين تنتهي؟ ولعل من أبرز الأسباب التي تحول دون معرفة الحجم الحقيقي لثروة عائلة القذافي تكمن في عدم إمكانية الفصل بين ثروة العائلة الحاكمة وأموال الدولة بشكل عام، فالقذافي وحاشيته يتصرفون في أموال الدولة وكأنها ملك شخصي، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي السنونسي البسيكري في حوار لدويتشه فيله: "إن موظفي الدولة -لا سيما مديري البنوك- يتم تعيينهم من طرف القذافي مباشرة، كما فعل مع فرحات قدارة الذي عينه محافظ مصرف ليبيا المركزي، وهو يدين بالولاء التام له، فالقذافي يعطي الأوامر لهؤلاء الموظفين، ولا يمكنهم أن يتساءلوا عن مكان صرف هذه الأموال، فهم متواطئون معه، فالقذافي يدير أموال الدولة وكأنها ملكه الخاص، فالقذافي يتحكم مباشرة في ثروة البلاد، فهو الذي يقرر أين سيصرف كل سنتيم". بدورها كتبت صحيفة "فايننشيال تايمز" أن "الطريقة التي أدار بها القذافي البلاد تثير تساؤلات عما إذا كان هناك فصل فعلي بين ثروة الأسرة واستثمارات الحكومة المعروفة بضخامة حجمها". استثمارات لصالح من؟ هذه الاستثمارات تمول مباشرة من عائدات النفط والغاز. فهذا البلد النفطي الذي وصل إنتاجه في 2010 إلى حوالي 2.6 مليون برميل يوميا، أي ما يمثل حوالي 2% من إجمالي الإنتاج اليومي العالمي من النفط، أمن لنفسه عائدات وصلت خلال السنة الماضية إلى أكثر من 45 مليار دولار، بينما وصلت في عام 2009 إلى 35 مليار دولار عندما كان إنتاجها لا يزيد عن 1.4 مليون برميل يوميا، حسب ما ذكرته المؤسسة الوطنية الليبية للنفط. يذكر أن ليبيا تعتبر ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في إفريقيا. إذ يقدر حجم احتياطاتها بأكثر من 45 مليار برميل، كما تمتلك احتياطات من الغاز الطبيعي تقدر ب1500 مليار متر مكعب، ما يجعلها تحتل المركز الرابع إفريقيا. وقد أسس القذافي عام 2006 الهيئة الليبية للاستثمار، والتي دخلت في مشاريع استثمارية في الخارج تزيد قيمتها عن 60 مليار دولار، حسب مراقبين، وقد شملت هذه الاستثمارات مجالات عدة تراوحت بين البنوك والصحف ونوادي الرياضة وصولاً إلى قطاع صناعة السيارات، فالمساهمة الليبية في قطاع البنوك في إيطاليا وصلت إلى 7.5%، كما تملك هيئة الاستثمارات الليبية حصة 2.6% في شركة "فيات" وحصة 7.5% من نادي "جوفنتوس" لكرة القدم، حسب ما ذكره تقرير لصحيفة الجارديان، بالإضافة إلى استثمار القذافي نفسه عام 2009 ما قيمته 21.9 مليون دولار في مجمع فندقي في مدينة لاكويلا الإيطالية التي شهدت زلزالا مدمرا في 2009. حسبما ذكرته صحيفة "فايننشال تايمز". ويقول المحامي الليبي الهادي شلوف، عضو محكمة الجنايات الدولية بلاهاي، إن "الدراسات الاقتصادية أثبتت أن حجم الأموال التي جنتها ليبيا من عائدات النفط منذ عام 1969 تقدر بثلاثة ترليونات دولار، وأن نصف هذا المبلغ ذهب إلى خزينة القذافي وأبنائه". ويشير إلى أن القذافي "وضع حسابا خاصا أسماه "الحساب المجنب"، أي الحساب الذي توضع فيه عائدات النفط جانبا". وفي تعليقه على ما أوردته بعض التقارير الإعلامية التي قالت إن ثروة القذافي قد تصل إلى 82 مليار دولار، قال إن "الرقم الحقيقي يزيد بكثير عن ذلك، باعتبار أن هذا الرقم تم ذكره في بداية التسعينيات". بينما يقدر محمد عبد الملك، المعارض الليبي المقيم في المنفى ورئيس مؤسسة الرقيب، حجم ثروة القذافي وحده ب80 مليار دولار، وقد تتجاوز ثروة العائلة ككل 150 مليار دولار. ويؤكد عبد الملك -في حوار لدويتشه فيله- أن "أموال النفط كلها ذهبت إلى جيوب أسرة القذافي والمحيطين بهم، ولم يستفد المواطن البسيط من أي شيء". ويذكر أن ليبيا بحاجة إلى بنى تحتية ومدارس ومستشفيات. ويضيف أن "قراره توزيع ثروة البترول مباشرة على الشعب تعتبر كذبة من بين الأكاذيب الكثيرة التي استعملها القذافي لاستمالة المواطنيين والقبائل". دعم للإرهاب وحماية للحكم! يقول المحامي الليبي الهادي شلوف: إن "استيلاء القذافي على هذه الأموال، بوضعه (حسابا خاصا لعائدات النفط)، كان الهدف منه حماية الثورة من التهديدات التي كانت تحيط به، فهذه الأموال تمكنه من شراء مرتزقة وجيوش لحماية حكمه". وبهذا الشأن يقول محمد عبد الملك، رئيس مؤسسة الرقيب، إن "القذافي بدأ يستعمل هذه الأموال في جلب مرتزقة لمحاربة الليبيين". وكان علي العيساوي، السفير الليبي لدى الهند الذي استقال في أعقاب حملة القمع ضد المحتجين في ليبيا، إن السلطات الليبية تستخدم مرتزقة أفارقة، ما دفع بعض قوات الجيش إلى تغيير ولائها لتنضم إلى المعارضة. ويرى المراقبون أن هؤلاء المرتزقة لهم علاقة ببعض الجماعات المتمردة في إفريقيا، والتي كان القذافي يدعمها بماله. ويقول محمد عبد المالك، من مؤسسة الرقيب المعارضة: إن "معمر القذافي دعم حركات إرهابية كثيرة جدا في العالم، فقد دعم الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) والجيش الأحمر في إيطاليا، والحركات المتمردة في تشاد، كما تأتي إلى ليبيا وفود من حركات عديدة لتغرف من أموال الليبيين". ويتحرك بعض المعارضين الليبيين في الوقت الحالي لإقناع بعض الدول على تجميد أموال أسرة وحاشية القذافي، إذ يؤكد المحامي الهادي شلوف بالقول: "سنطالب قانونيا بتجميد جميع أموال القذافي وأبنائه وحاشيته مثلما حصل مع بن علي ومبارك".