السادسة وخمس دقائق، مساء جمعة الصمود، 11 من فبراير 2011. صراخ فرح يشق السكون الحذر فى ميدان التحرير. تنحى. تنحى. بيقول إيه؟ مين اللى قال تنحى؟ يتساءل الواقفون برجاء وأمل. تنتشر الصيحات فى أنحاء متفرقة من ميدان الحرية. «الله أكبر، التليفزيون المصرى قال». حالة من الارتباك والحيرة، الابتسام يرتسم على الوجوه ثم يختفى، يلتفت الواقفون حول أنفسهم، «يقصدوا حسنى؟». التليفزيون المصرى له تاريخ أصيل من التزوير والتزييف عند الثوار، أما آخر خطابات حسنى، يوم الخميس، فقد شحن الثوار بقدر كبير من الغضب والحذر والصمود. إنها «ثورة الصبار»، ثورة النفس الطويل والتضحية التى كسبها الثوار، وكانوا مستعدين لمزيد من الصمود والدماء الطاهرة، الجمعة القادمة كانت جمعة النور، والتى تليها كانت من المقرر أن تكون جمعة الخلاص. الثوانى كانت تمر كالدهر، يتصل الجميع بالأصدقاء للتأكد من الخبر. السادسة وسبع دقائق، النور أضاء الميدان. «آآآه عملناهاااااا» «حرية حرية حرية» يصرخ الجميع، يضحكون ويبكون فى نفس الوقف، لا مكان لذكريات ليالى التعب القاسى المريح، يتعانقون فى حضن ميدان التحرير، الأرض التى أخذوها بالدم والدموع، أصوات الزغاريد تنطلق من الرجال قبل النساء. «ارفع رأسك فوق أنت مصرى»، إحساس العزة والكرامة عاد، «فالمصريون أهم، المصريون أهم». «مع السلامة يا أبو عمة مايلة»، يرقص الشباب. فى وسط الاحتفال كان «حكماء التحرير» موجودين، يدعون الشباب فى وسط الحماسة، إلى التخطيط للمستقبل، «يا شباب عاوزين نفهم سياسة، احنا خلعناه، لكن دا أول المشوار». الحديث يمتد لمديونية مصر، والارتقاء بالأحوال الزراعية والصناعية، الأموال فى بنوك سويسرا، يوزع شاب منشورا جديدا لحياة بدون رشوة أو محسوبية أو زبالة أو معاكسة بنات. تنطلق الألعاب النارية فى السماء المبتهجة بأرواح الشهداء وصيحات الفرح والشكر. «الحمد لله كثيرا... نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده».