أعلن، أمس، عدد من قضاة مجلس الدولة تأييدهم لثورة الشباب المصرى على النظام السياسى الحالى، واتهموا النظام الحاكم «وبصفة خاصة أعوانه وبطانته بانتهاك جميع الحقوق والحريات السياسية والمدنية والاجتماعية انتهاكات صارخة ومستمرة» حسبما جاء فى بيان حصلت «الشروق» على نسخة منه، حمل عنوان «بيان خارطة طريق للأزمة الراهنة ضمير الوطن ونبض الشارع المصرى». ووصف البيان ثورة الشباب المصرى ب«الانتفاضة المباركة التى حققت من الإصلاح والتغيير ما لم يحققه أحد خلال عقود عديدة». مشددا على أنه «حان الوقت لتشكيل عقل لجسد هذه الانتفاضة من أصحابها وعقلائها وحكماء الوطن والقوى السياسية لتحديد طلباتها والتفاوض من أجل دستور جديد وعهد جديد». وأشار القضاة إلى أن «الانتفاضة ولدت من رحم الشارع المصرى وليس من رحم أى حزب أو تيار سياسى، ويدعمها كل الشعب المصرى بمختلف فئاته، ولن يسمح هذا الشعب الفطن لأى أشخاص أو تيارات أو حركات أو أحزاب سياسية أن يتسلق إلى الحكم على أكتافه، وليحذر الجميع سواء فى الداخل أو الخارج من صحوة هذا المارد القوى». وأضاف البيان أن «المستشارين والقضاة يحمون حقوق هذا الشعب ويصونون حرياته ويعملون بالحكمة والعقل على رعاية هذه المكتسبات» وأنهم يمثلون طرفا نزيها محايدا لا يسعى للحكم بل يرغب فى فتح الحوار والتفاوض بهدف تحقيق كل مصالح الشعب المشروعة، حماية للمواطنين، وحقنا لدمائهم، وحماية لهم من محاولات الاختراق الداخلى والخارجى. وأكد القضاة أنهم رصدوا اختراقات جسيمة من قوى خارجية وداخلية تهدد أمن الوطن، وأنهم بدأوا بالفعل فى تقصى حقائق كل ما حدث ويحدث وتوثيقه لمحاسبة كل من أخل بأمن البلاد، وأن القضايا الأولى بالرعاية الآن هى «وضع دستور جديد يفى بتطلعات الشعب وأحلامه، والقضاء على الفساد وأعوانه، والقضاء على الفقر المدقع والبطالة، والتوزيع العادل للثروات، ورفع مستوى المعيشة، ووضع حد أدنى للأجور، والمساواة الحقيقية أمام القانون، وسيادة القانون وتطبيقه على الجميع دون أى استثناءات، واحترام الحرية الشخصية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين وتعويضهم، ومحاكمة جميع من انتهك هذه الحقوق والحريات وفقا للمادة 57 من الدستور، وإعمال مبدأ المساءلة على الحكام والمحكومين دون تمييز». وأيضا «تطبيق مبدأ تداول السلطة، والقضاء على المحسوبية والواسطة، وإعمال الشفافية والحق فى المعرفة والحصول على المعلومات، وتنظيم حرية تكوين الأحزاب والجمعيات وحرية الرأى والتعبير، واحترام حقوق وحريات الآخرين، واحترام الحق فى اللجوء للقضاء والفصل السريع فى القضايا، واحترام الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ووضع مشروع قومى لإصلاح التعليم والرعاية الصحية، وآخر لتطوير الصناعة والإنتاج وتطوير المنظومة الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتى والتصدير». واقترح القضاة على ضوء ذلك ما سموه «خارطة طريق للخروج من الأزمة الحالية والشلل الذى أصاب الوطن» لتكون خلفية مناسبة للتفاوض مع النظام بدون الانزلاق إلى فراغ دستورى، حسب نص البيان، وتشمل الخارطة عدة بنود على النحو التالى: 1 احتفاظ الرئيس مبارك فقط بالسلطات الدستورية التى خصه الدستور بها دون غيره مثل طلب تعديل الدستور أو حل البرلمان لحين إصدار هذه القرارات وإجراء الانتخابات الرئاسية، وتنازله بإرادته عن باقى سلطاته الدستورية والقانونية لنائبه أو إلى مجلس رئاسى يضم نائبه ورئيس الوزراء وممثلين عن القوى السياسية الفاعلة». 2 يعقب هذا فض جميع أشكال التظاهر من الجانبين وفض الاعتصام بميدان التحرير وعودة الحياة الطبيعية للبلاد على وجه السرعة، والإفراج الفورى عن كل المحتجزين بسبب التظاهر وتأمين سلامتهم وعدم التحقيق معهم أو ملاحقتهم حالا أو مستقبلا، وتقديم تعهدات من رأس السلطة لضمان أمنهم وسلامتهم». 3 فتح تحقيق فورى فى جميع التجاوزات والانتهاكات التى حدثت من الأجهزة الأمنية سواء ما تعلق منها بالمتظاهرين أو الفراغ والانفلات الأمنى مع مراعاة الضغوطات التى أحاطت برجال الشرطة، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإصلاح العلاقة بينها وبين جموع الشعب لعودة الأمن والحياة الطبيعية. 4 إلغاء قانون الطوارئ. 5 الإبقاء على الوزارة الحالية، أو قيام رئيس الوزراء بتشكيل وزارة من المستقلين والمتخصصين التقنوقراط لتسيير الأعمال وإدارة البلاد مع إمكانية الاستعانة بأشخاص أكفاء للمرور من هذه الأزمة من أى قوى أو أحزاب سياسية. 6 دعوة رئيس الجمهورية لتعديل المواد 76، 77، 88، وتشكيل سلطة تأسيسية فرعية تشارك فيها جميع القوى السياسية والخبراء والمتخصصين الدستوريين لوضع التعديلات الدستورية الخاصة بهذه المواد وغيرها ووضع القوانين المكملة لها، توطئة لعرضها على مجلس الشعب بعد إعادة شرعيته. 7 حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات جديدة تحت إشراف قضائى كامل، أو كحد أدنى لضيق الوقت تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من القضاء الإدارى، وتنفيذ التوصيات التى انتهت إليها تحقيقات محكمة النقض، وفتح باب الترشيح فى هذه الدوائر من جديد، وإجراء الانتخابات فى هذه الدوائر فقط تحت إشراف قضائى كامل ومرن، ثم عرض التعديلات الدستورية على مجلسى الشعب والشورى بعد تصحيح ما شاب مجلس الشعب من انعدام المشروعية والشرعية تفعيلا للمادة 189 من الدستور. 8 انتخاب لجنة تأسيسية أصلية لوضع دستور جديد للبلاد يحدد استراتيجيات وايدولوجيات المرحلة القادمة، وإجراء انتخابات جديدة لمجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية. 9 احترام إرادة الناخبين فى ظل انتخابات نزيهة وحرة تحت إشراف قضائى كامل وتحت إشراف المجتمع المدنى والشعب، بحيث تكون هى الحَكم دائما بين مختلف التيارات والقوى السياسية دون صراع على الحكم. 10 البدء من الآن فى رفع الوعى والثقافة السياسية لدى أفراد الشعب المصرى خاصة الطبقة البسيطة منه، مع استثمار هذه الأحداث بطريقة إيجابية فى تغيير السلوكيات والثقافات والحفاظ على الظواهر الإيجابية التى رصدناها من تآلف وتعاون وحب ووحدة، وابتسامة جميلة على الوجه تعكس دفء المشاعر وصدق الإحساس ووحدة الدم بين جميع المواطنين على نحو غير مسبوق. 11 غلق ملفات مثل الملف الطائفى أو ما يسمى بالوحدة الوطنية لما لمسناه من انصهار غير مسبوق بين المسلمين والمسيحيين جعلنا ندمع من قدر الحب الفطرى بيننا وغلق هذا الباب إلى الأبد مع الحديث فقط عن مواطن يمتلك كل الحقوق والحريات ويلتزم بالواجبات دون أدنى تمييز لأى سبب. 12 إعادة بناء الثقة المفقودة بين طرفى الحكم وهما الشعب صاحب السيادة وحده وبين من يعمل لديه وفى خدمته وهى الحكومة. واختتم القضاة البيان بأنهم «يحمدون الله على هذا الابتلاء الذى كشف عنا الغمة وأضاء لنا الظلمة» موجهين الشكر إلى شباب مصر والشارع والجيش المصرى الباسل «الذى أدار الأزمة باقتدار ونزاهة وصلت فى بعض الأوقات إلى حد لم نستوعبه».