في لقاء مفتوح شهدته مكتبة "الشروق"، أول أمس الاثنين، لمناقشة سيرة حياة المفكر د. جلال أمين المنشورة بكتابه "رحيق العمر"، وبحضور إبراهيم المعلم، صاحب دار الشروق المصرية، ود. نبيل العربي، الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية، ووائل قنديل، الكاتب الصحفي.. أبدى أمين دعمه ليوم الغضب المصري، ولكنه حذَّر من مؤامرة تسببت في تقسيم المنطقة العربية، وهو ما يصب بمصالح الغرب. وحدد د. جلال ثلاثة محددات، تلعب دورًا فيما يحدث في المنطقة العربية الآن: التطور التكنولوجي الكبير الذي سمح لذوي القوة أن يعبثوا بأقصى أطراف الأرض، بالإضافة إلى "الميديا" أو وسائل الإعلام التي تقدم وجبات دسمة من الزيف والخداع للجماهير، وأخيرًا العولمة التي تمكن ذوي المصالح من الدول الكبرى أن تتحكم بمصائر دول لا علاقة لها بها في الظاهر. ومن ثم فإن هناك ترتيبًا جديدًا يجري في المنطقة العربية، يشبه ما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حين تغير ميزان القوة الدولية، وتقسمت أوروبا إلى دويلات، فالحديث عن الشرق الوسط الكبير الذي كان يملأ الأرض ضجيجًا، ثم توقف، أمر مثير للدهشة والتساؤل. وقال أمين، مؤلف كتاب "ماذا حدث للمصريين؟"، إنه يربط بين تزوير الانتخابات البرلمانية المصرية، وتفجيرات كنيسة "القديسين" في الإسكندرية، وثورة تونس، فضلاً عن إشعال فتيل التوتر في لبنان بين الحكومة والمقاومة، والاستفتاء الذي جرى في جنوب السودان، مؤكدًا أن ثمة مؤامرة وهي النظرية التي يرفضها الكثيرون؛ ولكنها بالنسبة له الأسلوب الأمثل لتفسير كثير من الأحداث الكبرى في التاريخ. يتابع جلال أمين، موضحًا أن احتلال العراق أيضًا على خلفية أحداث سبتمبر التي ليس من الممكن أن يكون منفذوها هم العرب، يعد أحد البدايات المهمة لإعادة ترتيب المنطقة. ثم ما جرى من تشهير بالعرب والمسلمين، والإساءة إلى سمعتنا واضطلاع مؤسسات ودول كبرى في فعل ذلك، فها هي الأممالمتحدة يتم تجنيدها لإصدار تقارير التنمية الإنسانية العربية، التي تحمل من السباب للشعوب العربية، ما لم يحدث في تاريخها لأي شعب. وبالنسبة لأمريكا في رأي المفكر الكبير، فهي تشهد ذروة ضعفها، فرغم قوتها العسكرية إلا أن اقتصادها ضعيف، وهي تريد الحفاظ على إمبراطوريتها، ولذلك فهي تحذر العالم من الخطر الإسلامي المتصاعد، وكأنه قوة مهددة للنظام العالمي، مما يمكنها من ضرب إيران. تقسيم السودان والفرقة بين الأقباط والمسلمين لصالح إسرائيل ويرى أمين أنه -تماشيًا مع نفس المخطط- يتم تقسيم السودان، ومحاولة التفريق بين المسلمين والأقباط في مصر من خلال التفجيرات الأخيرة في الإسكندرية، وما سبقها من أحداث في نجع حمادي العام الماضي، وما يحدث في لبنان أيضًا، كل تلك التفتيتات هي جزء لا يتجزأ من المخطط الجديد، لخدمة مصالح إسرائيل، التي يهمها ألا توجد وسط دول قوية تمنعها من تنفيذ مخططاتها التي تتمثل في إعادة ضرب غزة، وتغيير طبيعة القدسالشرقية، وتهجير المزيد من الفلسطينيين. فالدول الكبرى تسعى لخدمة مصالحها فقط، ففي الخمسينيات حدثت انقلابات عسكرية في كل الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وثبت أن كل انقلاب كان يقف وراءه أمريكا أو الاتحاد السوفيتي، رغم أن الشعوب كانت تظن أن تلك الثورات في خدمة الاشتراكية والوحدة العربية. ورغم سعادة أمين بثورة تونس، إلا أنه يتوجس خطرًا مما سيأتي بعدها، فرغم أن النظام التونسي بدا مستقرًا بشدة، إلا أن الأمور تغيرت بسرعة كبيرة، قائلاً: إن تصريحات أمريكا المؤيدة للثوار مثيرة للدهشة، ونيتانياهو يحذِّر العالم من سيطرة الإسلاميين على تونس، لذا فهو يترقب ما سيحدث بقلب مرتعش. وعن رأي المفكر جلال أمين بشأن الانتفاضة الشعبية التي جرت، أمس الثلاثاء، وتستمر اليوم بالتزامن مع عيد الشرطة ذكر قول ماركس "الحرية هي فهم الضرورة"، بمعنى أنه لكي تكون قادرًا على تغيير الأمور يجب أن تعرف الحدود التي تفرضها عليك الضرورات، فسأسعد إن عرفت أن الشعب المصري خرج في مظاهرات بأعداد كبيرة. وقال أمين: لا أستطيع المشاركة بالمظاهرات الحاشدة، لكني كمثقف أركز على التوعية بالفكر، فالمثقف ليس دوره الوحيد التحريض على الثورة، بل أن يكون صادقًا ويعي أن التغيير لبنة في بناء متراص، يساهم كل منا في صنعه. وقال: إن له بعض التجارب البسيطة في العمل الجماهيري خذلته، فأثناء الحصار على العراق اشترك في مظاهرة بميدان التحرير، ووجد نفسه -بحسب تعبيره- "يسير في مظاهرة لا تعبر عنه، فالهتافات تغيرت، واتخذت منحى آخر لا يناسب أفكاره "، فالاشتراك في العمل الجماهيري صعب التحكم فيه. وتحدث عن موقف الروائي السوداني، الطيب صالح، حين سُئل عن اشتراكه في المظاهرات من قبل، فأجاب قائلا: "بينما كان الطلبة يتظاهرون، كنت أنسحب إلى بيتي مفضلاً القراءة"، ليس جبنًا بل أحاول الآن أن أساهم فكريًّا في معركة التغيير. لو كنت رئيس وزراء لمنعت الوزراء من الاتصال بالسفارة الأمريكية وردًّا على سؤال عن أسلوب التغيير الذي يقترحه، قال: إن صحفية كندية سألته لو تقلدت منصب رئيس الوزراء في مصر، فرد عليها: سأحدد عشرة مناصب مهمة في الدولة، وأستبدل أشخاصها الحاليين بأفراد جدد مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، كوزارات الإعلام والصناعة والتعليم، وألغي وزارة الثقافة، لأنها لم تساهم بشيء في الحياة الثقافية الحالية، وما تفعله من ترميمات وإصلاحات من الممكن أن تقوم بها وزارة الأشغال، الخطوة الثانية تتمثل في تعيين خبراء اقتصاديين لتخطيط مستقبل مصر، وأخيرًا منع اتصالهم بالسفارة الأمريكية لضمان نجاحهم. وأشار إلى أن الشعب المصري قادر على التغيير، والتقدم والأمثلة من الشباب لا حصر لها، لكنهم بحاجة إلى التغيير الذي يساهم في تفجير طاقات إبداعية جديدة مثل ما حدث إبان ثورة يوليو 1952. ويكمن الحل برأيه في الفهم مع الإخلاص مع التخطيط، فكل مشاكلنا التي نعاني منها في مصر موجودة في دول كثيرة حول العالم. الوضع الآن يشبه ما قبل ثورة عبد الناصر وحول تشابه تلك الفترة بالشهور التي سبقت ثورة يوليو 1952، أجاب أمين: إن الوضع متشابه إلى حد ما رغم وجود اختلافات، فالقصر الملكي قبل الثورة بدا مضطربًا، وهكذا النظام الآن، الذي لم يعد قابضًا على الأمور كما كان، وأفسر ما حدث من تزوير في الانتخابات البرلمانية بأن النظام بلغ من الضعف ما يجعله لا يريد سماع صوت معارض واحد، فالنظام متخبط والظروف العالمية غير مواتية له. وأشار أمين إلى ما أسماه بالتغيرات الإيجابية التي شهدتها بلدان أمريكا اللاتينية، مثل البرازيل وفنزويلا وبوليفيا، كما أن ما يحدث في تركيا وإيران من نهضة وتقدم أمر يبشر بالخير.