أقدم مئير داغان فى الأسبوع الماضى على فعل لم يسبقه إليه أى رئيس سابق للموساد. فقد أخذ باصا مملوءا بالصحفيين إلى مكان سرى، وتحدث أمامهم ثلاث ساعات عن عدد من الموضوعات، وتضمن كلامه أمرين أساسيين: أن إيران لن تصنع قنبلة نووية قبل سنة 2015؛ أن الهجوم العسكرى على إيران سيكون وخيم العواقب. يُعتبر داغان بطل العقد الماضى. فقد تمكّن خلال الأعوام الثمانية الأخيرة من إعادة تأهيل الموساد، وقام بعمليات جريئة، وحقق إنجازات استخباراتية صعبة. وكان إنجازه الأكبر هو كسب الوقت، فداغان هو الرجل الذى استطاع أن يربح الوقت فى مواجهة إيران. لكن القرار الذى اتخذه رجل الظل بالخروج إلى العلن وإطلاق العنان للسانه، كان مثيرا للدهشة. وهناك من يقول إن كلامه ألحق ضررا استراتيجيا بإسرائيل. لقد رد رئيس الحكومة على كلام رئيس الموساد المنتهية ولايته بغضب، فداغان، فى اعتقاده، خرّب المساعى السياسية الرامية إلى منع إيران من التحول إلى دولة نووية. ولم يكن نتنياهو الوحيد الذى غضب، بل إن مصادر رفيعة المستوى فى الولاياتالمتحدة وفى بريطانيا وفرنسا وجهت نقدا عنيفا هذا الأسبوع إلى كلام داغان. وأعرب البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية عن دهشتهما وغضبهما. ورأى عدد من الحلفاء الأساسيين لإسرائيل، أن المؤتمر الصحفى للرئيس السابق للموساد أمر غير مفهوم وغير مسئول. إن الانتقاد الأول الذى يمكن توجيهه إلى داغان هو انتقاد مهنى. فإيران تملك حاليا ما يكفى من المواد المخصبة من أجل صنع قنبلة أو قنبلتين نوويتين. وفى حال قرر نظام آيات الله فى خطوة يائسة الانتقال من مستوى التخصيب المنخفض لليورانيوم إلى مستوى التخصيب المرتفع، فإنه قادر على ذلك خلال أقل من عام. لقد كان تقدير داغان أن إيران لن تتخذ قرارا من هذا النوع قبل سنة 2015. لكن هناك فارقا بين النيات والقدرة. ففى إمكان إيران الحصول على السلاح النووى خلال عام أو عامين. لقد أخطأ داغان رجل الموساد بتقديمه معلومات أدت إلى تفسيرات استخباراتية غير صحيحة. أما الانتقاد الثانى الذى يمكن توجيهه إلى داغان فهو سياسى. ففى العام الأخير نجحت الدول الغربية الكبرى فى حمل المجتمع الدولى على تبنّى موقف صارم من إيران. ويعود هذا النجاح إلى الإحساس بخطورة الأمر، وهو الإحساس الذى نجحت إسرائيل فى زرعه لدى الدول الكبرى. وها هو رئيس الموساد الإسرائيلى يبدد هذا الشعور بالخطر. ولكن لا يمكننا أن ننتظر من الروس والصينيين والألمان والإيطاليين أن يكونوا أكثر كاثوليكية من البابا. لقد أضر داغان بحلفاء إسرائيل، وقدّم خدمة إلى الأطراف الدولية التى تقلل من الخطر الإيرانى، وتبحث عن ذريعة تسمح لها بعدم مواجهته. والانتقاد الثالث الذى يمكن توجيهه إلى داغان يتعلق بالخيار العسكرى. فالكلام الذى قاله عن الانعكاسات الخطرة لمهاجمة إيران هو كلام موزون وصحيح، لكن التهديد المبطن بهجوم عسكرى إسرائيلى، كان أحد العوامل الأساسية للضغط الذى يمارس على إيران. وكان المجتمع الدولى بدأ يضغط جديا على إيران بسبب التخوف من ضربة مفاجئة لسلاح الجو الإسرائيلى. ولكن جاء داغان ليضعف كثيرا هذا العامل، إذ إنه صوّر هذا التهديد الإسرائيلى كأمر لا يعول عليه وغير جدى. وهكذا، فإن الرجل الذى كان مسئولا عن عرقلة المشروع النووى الإيرانى، هو بالتحديد الذى دفع الإيرانيين إلى الاعتقاد بأن فى إمكانهم مواصلة سباقهم نحو القنبلة من دون مواجهة خطر فعلى. وعلى ما يبدو، فإن داغان يعتقد أن نتنياهو وباراك رجلان خطران، وهو يتخوف من عمل عسكرى متسرع ربما يقدمان عليه ضد إيران. لكن الكلام الذى قاله بمناسبة انتهاء مهمته لم يؤدِّ إلى تحييد الخيار النووى، وإنما ألحق الضرر بمحاولة فرض حصار سياسى واقتصادى على إيران. وبهذه الطريقة لم يُبعد داغان احتمال مهاجمة إيران، وإنما تسبب بتقريبه. لقد شبه عدد من المسئولين الكبار الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين الضرر الذى تسبب به كلام داغان، بالضرر الذى أحدثه نشر تقديرات الاستخبارات الأمريكية غير الموثوق بها، فى سنة 2007.