عندما عين داغان رئيسا للموساد، قبل ثمانية أعوام، كان صدام حسين يحكم العراق، وياسر عرفات سجينا فى المقاطعة (فى رام الله)، ومحمود أحمدى نجاد يدرس الهندسة فى كلية العلوم التكنولوجية فى طهران. وكانت إسرائيل تواجه موجة العمليات الانتحارية، والاقتصاد يوشك أن ينهار، والمعنويات الوطنية بلغت أدنى درجاتها. عرف أريئيل شارون داغان فى الجيش، وقام بتعيينه مسئولا عن الأجهزة السرية لأنه أراد أن يعيد إلى هذه الأجهزة الروح القتالية. وكانت مهمة داغان الأساسية هى وقف المشروع النووى الإيرانى، لكنه رأى أنها مهمة مستحيلة. فقد كشفت وثائق ويكيليكس أنه قال لسيناتور أمريكى فى سنة 2005: «إيران قررت أن تصبح نووية، ولا شىء سيوقفها عن تحقيق ذلك». وكشفت الوثائق المسربة، أن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية لا تقتصر على الموضوع النووى فحسب، بل إنها مواجهة أيديولوجية شاملة أيضا. ويدل التاريخ على أن هذه المواجهات لا تنتهى إلا عندما يقوم أحد الطرفين بتوجيه الضربة القاضية إلى الطرف الآخر، فهذا ما حدث بين ستالين وهتلر، الرأسمالية الأمريكية والشيوعية السوفييتية، الصهيونية والناصرية. إن الرئيس الإيرانى لا يتوقف عن القول علنا إن «الكيان الصهيونى» يوشك أن ينهار. وبينما يحاذر زعماء إسرائيل قول كلام مماثل عن إيران علنا، إلا أنهم فى أحاديثهم المغلقة يتحدثون كما يتحدى أحمدى نجاد. وفى لقاء جرى فى صيف سنة 2007، عرض داغان على الأمريكيين خطة سياسية شاملة للإطاحة بالنظام فى طهران قائلا: «إن فى إمكان إسرائيل والولايات المتحدة تغيير النظام فى إيران.. ونستطيع أن نجبر الإيرانيين على وقف مشروعهم النووى، فتصبح إيران دولة طبيعية». بدا داغان فى الوثائق المسربة من أنصار عدم استخدام القوة، وإنما اللجوء إلى أسلوب المؤامرات من أجل إضعاف الخصم. فقد اقترح تحريض الطلاب والأقليات فى إيران، واستغلال الضائقة الاقتصادية من أجل تهديد استقرار النظام وإضعافه، واقترح «عمليات سرية» لم يكشف عنها. وقد بلغ نفوذ داغان الذروة خلال رئاسة إيهود أولمرت الحكومة، فقد كانت تقديراته صحيحة بشأن حرب لبنان على الرغم من عدم الأخذ بها، لكن أولمرت تعلم أن عليه أن يثق بداغان. واستنادا إلى مصادر أجنبية، فإن داغان هو الذى أعطى أولمرت المعلومات الموثوق بها، والمتصلة بالمفاعل النووى الذى تبنيه سورية، الأمر الذى سهل تدميره. وبعد بضعة أسابيع على الحادثة اغتيل فى دمشق المسئول الكبير فى حزب الله عماد مغنية. وقد ساهمت هذه العمليات وغيرها فى رفع المعنويات فى إسرائيل، وهناك من يقول إنها ساعدت فى تأخير تقدم المشروع النووى بضعة أعوام. لكن مهما تكن الدرجة التى وصلت إليها جرأة هذه المهمات السرية، فإنها لم تستطع تغيير الميزان الاستراتيجى فى المنطقة، بل إن إيران واصلت تعزيز قوتها على الرغم من الصعوبات كافة. قد تكون استراتيجيا الحد من استخدام القوة العسكرية منحت إسرائيل الهدوء الأمنى، وساهمت فى ازدهار الاقتصاد، وقربت إليها الدول العربية المعتدلة التى تتخوف من إيران، إلا إنها لا تكفى لتحقيق الانتصار فى المواجهة الكبرى. بشرت عودة نتنياهو وباراك إلى السلطة بتراجع نفوذ داغان. وتشير وثائق ويكيليكس إلى أن نتنياهو وباراك يؤمنان بأن حسم الموضوع الإيرانى يتطلب استخدام القوة العسكرية، وأن تدمير المفاعل السورى جرى بعملية قصف جوى، لا بعملية جراحية أو بواسطة الضغط الدبلوماسى. كما تدل وثائق ويكيليكس على أن إسرائيل كانت تعد العدة ل«تصعيد عسكرى» فى الصيف الماضى، لكن هذا لم يكن رأى داغان. ألقت عملية اغتيال المبحوح فى دبى التى نسبت إلى الموساد الظلال على العام الأخير من عمل داغان، لكن الموساد اتهم بأنه وراء عملية الهجوم على حواسيب المشروع النووى الإيرانى، وأنه من نفذ بنجاح عملية اغتيال أحد كبار علماء الذرة الإيرانيين. وإذا ما افترضنا أن داغان هو وراء العملية التى حدثت فى وسط طهران، فإن هذا يدل على أنه لم يخسر شجاعته وقوته بعد عملية دبى. وبهذه الطريقة يكون داغان أنهى بشكل مشرف ولايته، على الرغم من عدم تنفيذه مهمته الأساسية.