«تعلم الإنجليزية بطلاقة على أيدى نخبة من المتخصصين الأجانب، وتخلص من مخاوف بدء المحادثة.. زد من طلاقتك اللغوية سواء فى الفرنسية أو الألمانية والإسبانية، واحصل على منحتك العلمية الأولى فى مصر والشرق الأوسط بشهادة معتمدة دوليا.. نمى مهاراتك فى الكمبيوتر وبادر بحجز مكانك فالأعداد محدودة». كانت هذه عينة من الإعلانات الهائلة التى نراها معلقة على الجدران وأعمدة الكهرباء وأسفل الكبارى إلى جانب نشرها بالصحف وتوزيعها على الجامعات حصار كامل لاجتذاب أعداد من الباحثين عن فرص دراسية وتدريبية تؤهلهم لدخول سوق العمل، الذى أصبح الدخول فيه مشروطا باتقان اللغة والكمبيوتر. لذلك كان الحكم الذى حصل عليه جهاز حماية المستهلك الأسبوع الماضى بتغريم أحد مراكز تعليم اللغات والكمبيوتر 100 ألف جنيه وهى العقوبة المالية القصوى فى قانون الجهاز بداية لفتح ملف المراكز التعليمية، التى أصبحت تنتشر فى كل حى بأنحاء الجمهورية ويعمل بعضها بشكل غير رسمى دون الحصول على ترخيص من وزارة التربية والتعليم ولا تؤدى دورها كما يجب، والتى يقع ضحيتها عشرات الآلاف من الشباب، الذين يرغبون فى الحصول على تأهيل مناسب من حيث اللغة أو تنمية المهارات فى مجال تكنولوجيا المعلومات لتحقيق حلم الوظيفة ليكتشفوا بعد التحاقهم بتلك الدورات أنهم وقعوا ضحية لعمليات نصب ممنهجة استنفدت فيها أموالهم دون عائد. ورغم أن حكم الغرامة هو الأول من نوعه من حيث القيمة المادية فإن أهميته الأكبر ترجع إلى دخول جهاز حماية المستهلك فى مجال خدمى لم يتم طرقه من قبل، وهو مجال التعليم والتعلم، الذى يشهد صورا لاستغلال وتضليل طالبى هذه الخدمة قد يتبع تلك الخطوة دخول الجهاز فى مجالات أخرى ذات أهمية كبرى بالنسبة للمستهلك مثل الصحة. 20 شكوى لقد حصل الجهاز على حكم غير مسبوق منذ بدء عمله فى عام 2006، وهو تغريم المحكمة الاقتصادية مركز «أكاديمية كامبريدج للغات» الكائن فى مدينة هيئة التدريس ببولاق الدكرور مبلغ 100 ألف جنيه بحسب عمرو فهيم المدير التنفيذى لجهاز حماية المستهلك مشيرا إلى تلقى الجهاز نحو 20 شكوى من الملتحقين بالمركز تفيد بأن المركز أعلن عن عقد دورات تدريبية للغات والكمبيوتر، ولم يلتزم بالمواعيد إضافة إلى أن القائمين بالتدريس والتدريب غير متخصصين، وقام بتضليل الحاصلين على هذه الدورات بالإعلان عن منحهم شهادات معتمدة من كلية كامبريدج البريطانية أو شركة مايكروسوفت، وهو ما ثبت أنه غير حقيقى، وقال فهيم: لقد قمنا باتخاذ الإجراءات القانونية ضد المركز، وثبت أنه لم يحصل على التصاريح اللازمة لمزاولة هذا النشاط، وتقرر إحالة المركز إلى النيابة استنادا إلى هذه المعلومات، وأوضح فهيم أن قيمة الغرامة التى تعد الأقصى فى قانون حماية المستهلك ترجع إلى كثرة عدد الشكاوى، التى تلقيناها فى هذه القضية وترجع أيضا إلى أهمية وحساسية قضية تتعلق بالمجال التعليمى، موضحا أن الجهاز لا يتدخل فى سير العملية التعليمية لأن هناك جهات رقابية مسئولة عن ذلك، ولكن يتدخل فيما إذا حدث تضليل للمستهلكين فى هذا المجال، وهو ما يشير إليه قانون حماية المستهلك ولائحته التنفيذية من خلال مادتين تتعلقان بالإعلانات المضللة عن أشياء لم يلتزم بها المركز، وهو ما يمثل نقصا فى تقديم الخدمة أو الامتناع عن تقديمها، وأشار فهيم إلى أن الشكاوى المتعلقة بالخدمات التى ترد للجهاز تمثل 13% من إجمالى عدد الشكاوى الواردة، 85% منها يتعلق بمراكز صيانة الأجهزة، والتى تصل فيها نسبة الحل إلى نحو 93%، موضحا أن عدد الأحكام سواء بالغرامة أو الحبس، التى حصل عليها الجهاز فى مجال الخدمات منذ بداية عمله قدرت ب20 حكما 15 منها إعلانات مضللة، وال5 الباقية تتعلق بسوء الخدمة. فى نفس السياق أشارت المهندسة عنان هلال رئيس جمعية عين مصر لحماية المستهلك إلى أهمية أن يدخل الجهاز فى مجال الخدمات كالصحة والتعليم حتى لا يقع المستهلك ضحية للتضليل خاصة بالنسبة لارتفاع فواتير الإقامة بالمستشفيات، مؤكدة أن حق المعرفة من أهم حقوق المستهلك، مشيرة إلى تلقى جمعيتها العديد من الشكاوى من سوء أداء المراكز التعليمية وزيادة قيمة فواتير المستشفيات. إغلاق 16 مركزًا مراكز تعليم اللغات والكمبيوتر يصل عددها فى محافظة القاهرة وحدها إلى نحو 137 مركزا، وهى المراكز الحاصلة على تراخيص وتحت إشراف وزارة التربية والتعليم يقابلها عشرات المراكز غير الشرعية سواء داخل القاهرة أو التى تنشر بالمحافظات الأخرى لا تحقق الهدف، الذى أنشئت من أجله، لكنها تحولت إلى باب خلفى للدروس الخصوصية، وهو ما دفع وزير التربية والتعليم السابق إلى إغلاق 16 مركزا دفعة واحدة بالقاهرة إلى جانب إصداره قرارا بوقف منح تراخيص لمراكز تدريب وتعليم جديدة للتخصصات المختلفة فى مجالات اللغات والكمبيوتر والسياحة والفنادق والتطريز وإدارة أعمال السكرتارية لمدة 6 أشهر لخروجها عن النشاط الذى رخص من أجله، فى الوقت نفسه تمت إحالة صاحب مركز لتكنولوجيا المعلومات واللغات الدولية مؤخرا إلى محكمة الجنح بتهمة النصب على 22 طالبا باستصدار شهادات مزورة بعد أن دفع كل طالب 4 آلاف جنيه مصروفات دراسية. قصة نصب كبرى أسماء محمد تحكى تجربتها مع أحد هذه المراكز مشيرة إلى التحاقها بمركز لتعليم اللغات بعد ان تخرجت من معهد الصحافة «خاص» راغبة فى العثور على وظيفة سكرتيرة فى شركة خاصة، مؤكدة أنه لا أحد اليوم يعمل بشهادته، مشيرة إلى أن معرفتها بالمركز كانت عن طريق الإعلانات، التى تم توزيعها بجامعة القاهرة التى تدرس بها شقيقتها، والتى تقدمت هى الأخرى للالتحاق بالمركز وقبلت رغم أن العقد، الذى وقعت عليه يشترط التدريب للخريجين فقط وهو ما يمثل أول مخالفة، قالت أسماء إن الأجهزة التى كنا نتدرب عليها كانت متهالكة لا تصلح للعمل ودائما معطلة وعندما لفتنا نظر الإدارة إلى ذلك لم يهتموا، وأخبرونا بأن ذلك هو المتوافر لديهم، وأضافت أن المركز كان قد أعلن أن من سيقومون بالتدريس أساتذة من جامعة القاهرة، لكننا اكتشفنا أنهم مدرسو إعدادى غير مؤهلين للتدريس كان نطقهم للغة سيئا للغاية بالإضافة إلى سوء معاملة مدير وصاحب المركز للفتيات بشكل خاص بتحرشه بهن وسبهن بألفاظ جارحة بعد قرارهن ترك المكان، وقالت: لقد اكتشفنا أن المدير يتعاطى مواد مخدرة وأشارت أسماء إلى أن العقود لم تكن موحدة وتختلف من دارس لآخر، لافتة إلى أن المركز رفض رد التأمين، الذى دفعوه بمبلغ 200 جنيه وأراد خصمه بسبب امتناع الفتيات عن الحضور خوفا من زحام الشوارع فى يوم أقيمت فيه مباراة مهمة فى كرة القدم، أيضا أشارت إلى أن المركز أخبرهم بأن الشهادة ستكون موثقة من جامعة القاهرة، واتضح بالسؤال فى أكثر من جهة أن المركز غير معتمد لا من الوزارة ولا من الجامعة ولا من أى جهة، وأنها عملية نصب كبيرة، وقالت أسماء: لن أكرر التجربة مرة أخرى بعد الذى تعرضت له رغم أن الإقبال من الشباب على الدراسة فى المراكز التعليمية كبير جدا، والخريجون يرغبون فى تعلم لغة جيدة ويريدون اكتساب مهارات حتى يتمكنوا من الحصول على وظيفة فى ظل حالة البطالة السائدة. بينما يؤكد جلال عبدالفتاح الذى يعمل بإحدى شركات الكمبيوتر الشهيرة أنه كان فى حاجة لتقوية لغته الإنجليزية نظرا لتعدد سفره للخارج فى مهمات عمل، وكان قد قرأ إعلانا فى مجلة الوسيط عن أحد المراكز بمدينة نصر وتحدث معهم هاتفيا فقاموا بإرسال مندوب إلى المنزل لتسلم قيمة الكورس 550 جنيها المقرر أن يستغرق شهرين، وبعد يومين اتصل الموظف المختص ليخبره بأن الموعد المحدد الذى اتفق عليه لبداية «الكورس» قد ألغى ويريدون فرض ميعاد آخر لا يناسب ظروف عمله، وعندما طالب عبدالفتاح برد المبلغ الذى دفعه رفض المركز، وطالبوه بالبحث عن شخص آخر يدخل مكانه، ويضيف رغم أن الإيصال ما زال معى فإنى لم أسترد حتى الآن ما دفعته وتم خصم المبلغ من راتبى لأن الدورة كانت على حساب جهة العمل، ويشير إلى أن المكان لم يكن يصلح للاستخدام الآدمى، وكان عبارة عن دور أرضى وطرقه بها عدد من الغرف، وقد اضطررت بعد فترة من المماطلة للاشتراك فى مركز آخر كانت ظروفه أفضل وأسعاره أقل، مشيرا إلى عدم قدرة الكثير من أبناء الأسر المصرية سواء أكانوا طلبة أو خريجين على تحمل نفقات الدراسة والتدريب فى مراكز دولية معتمدة ذات سمعة جيدة لأنه لن يكون فى استطاعتهم سداد 1200 جنيه للمستوى الواحد فى كورس بالجامعة الأمريكية أو المركز البريطانى أو الفرنسى، وهو ما يدفعهم إلى التعامل مع مراكز أقل مستوى تحتاج إلى رقابة وزارة التعليم. شهادات معتمدة من الخارجية فى اتجاه مختلف يشير عادل محمود المدير بأحد مراكز اللغات والترجمة بمدينة نصر إلى أن المركز أنشئ منذ عام 1990 وحقق سمعة جيدة ويتوافد عليه أعداد كبيرة من الشباب، مؤكدا حصوله على ترخيص من وزارة التربية والتعليم ويدرس به متخصصون ذوو خبرة، وقال: لا نشترط حصولهم على شهادات معينة، ولكن أغلبهم خريجو كلية الألسن وقال إن سعر الدورة يتراوح ما بين 440 و1800 جنيه، وإن الشهادات تعتمد من وزارة التربية والتعليم نظير سداد المتدرب 75 جنيها، و250 جنيها إذا رغب فى اعتمادها من وزارة الخارجية بغرض السفر.