الإسلام وعلاقته بالشرق والغرب، تلك القضية الجدلية التى تشغل القاصى والدانى، وأسئلتها التى تحتاج دائما إلى تفسيرات، كانت أبرز ما تناوله كتاب «حوارات فى الدين والسياسة»، الذى صدر مؤخرا عن دار الشروق ويضم مجموعة من حوارات المفكر الإسلامى ورئيس هيئة علماء المسلمين، د. محمد سليم العوا مع الإعلامى أحمد المسلمانى، والتى أذيعت فى برنامج «الطبعة الأولى». الكتاب يضم إلى جانب الحوارات المذاعة، توضيحات العوا لبعض الأمور التى أثير بشأنها خلاف بعد الإذاعية الحلقات منها رأيه فى مسألة دور العلماء فى الشأن السياسى فما أشيع عن رأيه فى تأييده لأقامة دولة إسلامية يئول الأمر فيها لرجال الدين على غرار إيران مجافٍ للحقيقة. بينما يرى هو أن دور العلماء جوهره هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا شأن لهم بممارسة الحكم، كما يرى أن نظام أى دولة إسلامية لابد له أن يقوم على تلك المرجعية الإسلامية ولا يجوز للنظام منع العلماء من أداء هذا الدور المنوط بهم أداؤه. وفرق فى هذا السياق بين العلماء العاملين وطائفة الموظفين الحكوميين التى لا يجوز للعلماء الانتماء لها. كانت القضية مؤرقة لتفكير المسلمانى وتلح عليه، كما يقول فى مقدمته للكتاب نظرا لتعرضه فى خبرات شخصية خاضها دفعته للبحث عن ضالته المنشودة وقد وجدها فى أحاديث متفرقة للمفكر الإسلامى الكبير د. العوا وما وجده فى حديثه من بلاغة وسلاسة وتبسيط لغير المتخصصين يجعلهم يلمون إلماما يوازى بين الدين والسياسة والفلسفة والشريعة فى بساطة ويسر. ويحكى عن ثلاثة مشاهد من العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين مر بها فى تايلاند والهند وفرنسا، كان القاسم المشترك بينها الخلفية السياسية التى تشتم رائحة مؤامرة تود أن تشعل النار بينما ميزان القوة فى غير صالح المسلمين فى تلك البلدان. فلم يجد أن ثمة صيغة أفضل فى التعامل بين الإسلام والشرق أو الإسلام والغرب، بينما يجد أن فى كثير من الأحيان الحوار والدهاء والفلسفة البراجماتية هى التى تنفع المسلمين؛ إذ روى له إمام مسجد فى فرنسا الصفقة التى دارت بين المسلمين وبين حاخام إستراسبورج بأن يؤيد اليهود مطلب المسلمين فى بناء مسجد أكبر على أن يؤيد المسلمون مطالب اليهود لدى الحكومة الفرنسية، وأكد له أن صيغة المعادلة فى أوروبا بين المسلمين واليهود تختلف عن نظيرتها فى الشرق، فأوروبا المتسامحة مع اليهود لا تجد بدا من التسامح مع المسلمين، والمعضلة تتمثل فى أن التيار العنصرى المعاد لليهود معاد للمسلمين أيضا، فعلى المسلمين الاستفادة من وضع اليهود إذا ما أرادوا تمرير مصالحهم. وكان مما أثار حفيظة البعض الحديث بشأن الأقباط، حيث استقبلت نصيحة العوا لهم على نحو خاطئ كما يوضح الكتاب، إذ رأى أن مسلك بعض المطبوعات الكنسية الإنجيلية والأرثوذكسية أصبح فوق ما يحتمله شعور المسلمين ووصف رموزهم وشعائرهم وشريعتهم بأوصاف غير مقبولة وكان حديث العوا من قبيل النصح والتحذير من مغبة الاستمرار فى هذا المسلك وليس التهديد خشية إثارة الفتن والاضطرابات بين الطرفين. وبمناسبة الحديث عن مشروع الإخوان المسلمين، فقد رأى العوا أن العمل السياسى الإسلامى هو دعوة إلى تمثل المرجعية الإسلامية فى المجتمع، فعلى الأحزاب السياسية الجمع بين الإيمان بالمرجعية وكذلك مدنية الدولة ومؤسساتها. بينما الدور الذى يجب أن تقوم به الجماعات الإسلامية يقتصر فقط على الدعوة والتربية والتوعية بأصول الإسلام وفروعه والرعاية الاجتماعية، وذلك أنفع للمسلمين من العمل السياسى الذى لم يجلب عليهم سوى المحن المتوالية.