ذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية أنه رغم الانطباع السائد لدى العديد بأن محاكمة الصحفيين أمر شائع في الدول الاستبدادية بالعالم النامي ودول الكتلة الشيوعية سابقا فقط فإن فضيحة ويكيليكس وتعالي الأصوات المحرضة على محاكمة جوليان أسانج، مؤسس الموقع، وكل من ساهم في نشر وثائق الخارجية الأمريكية للعلن، وبالطبع منهم برادلي مانينج، محلل مخابرات الجيش الأمريكي، الذي سرب تلك الوثائق في الأساس، تجعلنا نعيد النظر في ذلك الانطباع. وأضافت المجلة أن العديد من ذوي الفكر المحافظ مثل سارة بالين، طالبوا بأن يتم "ملاحقة أسانج بنفس القوة التي يتم فيها ملاحقة قواد القاعدة وطالبان"، في حين طالب البعض باستخدام قانون لمكافحة التجسس منذ عام 1917، والذي لم يتم استخدامه ضد ناشر من قبل، لمحاكمة أسانج، واقترحوا أيضا محاكمة صحفية "نيويورك تايمز" لنشرها مواد من ويكيليكس، مشيرة إلى أن البعض قد يتوقع أمام تلك الهجمة على حرية الصحافة أن تبادر وسائل الإعلام الأمريكية بالرد بحزم على تلك الحملة، إلا أن رد فعل وسائل الإعلام كان خافتا، بل وبطريقة ما كان ردا صامتا، فالعديد من الصحف والمجلات الأمريكية تجنبت إصدار بيانات حول الأمر، فيما كانت العديد من الصحف غير الأمريكية أكثر حزما منها، ودافعت عن ويكيليكس بل إن رؤساء تحرير الصحف الأسترالية، موطن أسانج، وقعوا على خطاب موجه لجوليا جيلارد، رئيسة وزراء أستراليا، يرفض محاكمة أسانج في أستراليا أو الولاياتالمتحدة. حيث ذكر في الخطاب أن "موقع ويكيليكس هو منظمة تهدف إلى كشف الأسرار الحكومية هو نفس الوظيفة التي تقوم الصحافة، محذرين من أن محاكمة منظمة إعلامية، مثل ويكيليكس، سيعد خرقا للمادة الأولي للدستور الأمريكي التي تضمن حرية التعبير، وسيقلص قدرة وسائل الإعلام الأسترالية على الإبلاغ عن الموضوعات التي تعدها الحكومة ضد مصلحتها، لتطرح "نيوزويك" تساؤلا هو: لماذا لا يساند صحفيو أمريكا موقع ويكيليكس وصاحبه؟ لتجيب على ذلك بأن هناك 3 أسباب أساسية لعدم مساندة الصحفيين الأمريكيين لأسانج. الأول: رفض الاشتراك في حملات دفاعية، فوفقا لنيوزويك فإن صحفيي أمريكا عكس نظرائهم في بقية العالم لديهم التزام قوي بالموضوعية وعدم التحزب وفي العديد من المؤسسات الإعلامية، فإن التوقيع على التماسات يعد أمرا مرفوضا، والعديد من الصحفيين يفرضون مثل تلك القواعد على أنفسهم بل إنه عندما تم سؤال رئيس الشؤون الأكاديمية بكلية كولومبيا للصحافة عن سبب رفضه التوقيع على الخطاب الذي قدمته جامعة كولومبيا، ذكر أنه لا قيمة لتوقيعه في الخطابات الجماعية، فيما ذكر صحفيون آخرون أن من ممارساتهم المهنية عدم التوقيع على التماسات . الثاني: معارضة أهداف جوليان أسانج، فلنفس السبب، وهو التزام الموضوعية، فإن العديد من الصحفيين يجعلهم متشككين في حسن نية موقع ويكيليكس. وأن دعوته تهدف إلى التشويش على أداء الحكومات، وهو ما يعتقده العديد من رجال الصحافة الاستقصائية مثل بروس شابيرو، صاحب كتاب "زلزلة المؤسسات: 200 عام من الصحافة الاستقصائية في أمريكا" الذي لديه نظرة مشابهة، حيث يرى أن ويكيليكس تنبع من نفس الهدف الذي وجدت منه الصحافة الاستقصائية، وهو الإحساس أن "النظام فاسد والحقيقة يمكن إعلانها"، مضيفا أنه يهدف إلى الإصلاح أكثر منه تنفيذا لأجندة متشددة، وبالرغم من ذلك فالعديد من الصحفيين ومدراء تحرير الصحف والإعلاميين يرون أن الارتباط بأسانج يعد نوعا من التأييد غير اللائق لدعوته. الثالث: معارضة أسلوب أسانج، فبينما يعتقد العديد من الصحفيين أنه لا يجب محاكمة أسانج إلا أنهم مشمئزون من أسلوب أسانج في عرض الحقائق دون التفكير في العواقب، فمثلا سام فريدمان، أستاذ الصحافة في جامعة كولومبيا، لم يوقع على الخطاب لأنه لم ينتقد بشكل كافٍ تهور أسانج وعدم التفاته إلى عواقب النشر تلك الكمية الضخمة من الأسرار على أرواح البشر، مضيفا أن محاكمة أسانج سيكون سابقة خطيرة في للصحفيين لكنه يعتقد كما يعتقد الكثيرين أن أسانج لم يتحل بالحكمة التي يجب أن يتمتع بها الصحفي عند نشره لمعلومات سرية. وتضيف "نيوزويك" في النهاية أن البعض قد يثير موضوع أن ويكيليكس لم تعرض، وهو ما فعلته، على وزارة الخارجية الفرصة لطلب إخفاء المعلومات الحساسة، لكن يجب الإشارة إلى أن ويكيليكس مثال حي على فعالية حرية الصحافة، لا يرغب العديد من الصحفيين أن يكونوا جزءا منه، فوفقا لمحلل قانوني في شبكة "إن بي سي" من الناحية القانونية لا ترغب وسائل الإعلام أن تكون ويكيليكس أداة لاختبار حرية الصحافة، مضيفا أن قضية أسانج ستكون أسوأ سيناريو لاختبار حدود المادة الأولي من الدستور الخاصة بحرية التعبير، فالصحفيون يعتقدون أن من حقهم فعل ذلك، أي نشر الأسرار الحكومية التي توصلوا إليها، لكنهم يعتقدون أن أسانج لم يكن من المفترض أن يقوم به، وذلك سبب توتر وسائل الإعلام عند تغطية تلك القضية وضعف دفاعهم عن أسانج.