كتب جوان كول عن المقابلة التى أجرتها هذا الأسبوع جريدة وول ستريت جورنال مع رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى وأشار الكاتب إلى أن المقابلة اجتذبت الاهتمام الإعلامى حيث أصر المالكى على ضرورة خروج جميع القوات الأمريكية بحلول أول يناير 2012. وول ستريت جورنال: تحدث بعض المسئولين الأمريكيين عن خطط طوارئ يجرى إعدادها الآن فى واشنطن لاحتمال أن تبقى بعض القوات الأمريكية بعد عام 2011. هل لديك فكرة عن خطط الطوارئ هذه، وهل تحتاجون إلى قوات؟ المالكى: أنا لا أبالى بما يقال، فما يعنينى هو المسجل على الورق، وما تم الاتفاق عليه. اتفاقية سحب القوات (اتفاقية وضع القوات) ينتهى أجلها فى 31 ديسمبر 2011. وسوف يغادر آخر جندى أمريكى العراق. وهذه الاتفاقية تنتهى فى الوقت الذى خططنا أنها تنتهى فيه، وليست قابلة للتمديد، فيما عدا إذا أرادت الحكومة الجديدة بموافقة البرلمان التوصل إلى اتفاقية جديدة مع أمريكا، أو بلد آخر، وذلك أمر مختلف. هذه الاتفاقية غير قابلة للتمديد، ولا التبديل، فهى محكمة، وينتهى أجلها يوم 31 ديسمبر (2011). عندما يحدد المالكى البرلمان باعتباره الجهة المنوط بها صنع أى اتفاق جديد يقضى بعودة القوات الأمريكية إلى العراق بعد ذلك التاريخ، فإنه يلقى ماء باردًا على آمال المسئولين الأمريكيين فى واشنطن الخاصة بإمكانية القدرة على إقناع رئيس الوزراء بتمديد فترة بقاء القوات الأجنبية فى البلاد. ليس هناك أى سبب للاعتقاد بأن ما يريده المالكى.. مثلما كتب فى يناير الماضى أحد المسئولين فى البصرة أنه «وفقا ل....، فإن حكومة العراق تتوق إلى التخلص من جميع الوجوه البيضاء التى تحمل الأسلحة فى شوارع البلاد...» ولا يوجد 163 صوتًا فى البرلمان يؤيد تمديد وجود القوات الأمريكية، وأى تحرك فى هذا الاتجاه ربما يتسبب فى سقوط حكومة المالكي. فأنصار مقتدى الصدر الذين يملكون 40 مقعدا فى البرلمان وهم الحزب القائد فى التحالف الوطنى العراقى، والأحزاب الأصولية الشيعية التى تحتل 70 مقعدا، قد ينسحبون من حكومة المالكى، ومن المحتمل أن يعودوا إلى النشاط المسلح، إذا خان توقعاتهم فى هذا الصدد. كما أن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكى نفسه، الذى يضم حزب الدعوة الإسلامى، ولن يساند بالتأكيد بقاء القوات الأمريكية.. لديه 89 مقعدًا. إذن فلدى هاتين الكتلتين الدينيتين 159 مقعدا موزعة فيما بينهما. ومن بين العرب السنة فى كتلة العراقية، هناك بالتأكيد أربعة أعضاء على الأقل، عارضوا استبقاء القوات الأمريكية.. وهكذا يصبح هناك 163 صوتًا برلمانيا رافضًا. وهناك شك كبير، وارتياب عميق بين العديد من الأمريكيين فى أن القوات الأمريكية بسبيلها للرحيل فعلا.. والارتياب له ما يبرره. ذلك أن هناك بالتأكيد أصحاب مصالح سياسية وعسكرية قوية فى واشنطن لا يريدون الرحيل. لكن الأرجح أن المهمة العسكرية الأمريكية فى سبيلها للانتهاء بسرعة. وأسمع أحيانًا من يقولون إن الولاياتالمتحدة لن تتخلى أبدًا عن قواعدها العسكرية الثابتة، وهى «باقية» و»دائمة». ولكن ليس هناك ما يسمى قواعد عسكرية دائمة. لقد نشأتُ شخصيًا فى قواعد عسكرية بالخارج، لم يتبق منها واحدة حتى الآن. كنت فى الواقع ضمن أسر العسكريين التى أجبرها ديجول على الرحيل من فرنسا فى 1965 1966 عندما أخرج بلاده من الجزء العسكرى من حلف شمال الأطلنطى، وأغلق القواعد العسكرية الأمريكية. وتعتبر محطة كاجنيو فى أسمرة بإريتريا حيث أمضيت بعض سنوات مراهقتى ذكرى مبهمة بالنسبة لى. وتقام القواعد عادة نتيجة لاتفاقيات ثنائية، يمكن إلغاؤها (كما فى الفلبين). والواقع أن الجيش الأمريكى عكف على تسليم قواعد أمريكية سابقة أو قواعد أمريكية عراقية للجيش العراقى الجديد، وبحلول أغسطس الماضى، كان قد أغلق 411 قاعدة. ويوضح الموقع الإلكترونى للجيش الأمريكى فى العراق الاتجاه التنازلى. وفى الشهر الماضى وحده، أعلنت الولاياتالمتحدة نقل قاعدة الطيب على الحدود الإيرانية إلى سيطرة العراقيين. كان وجود قاعدة على الحدود الإيرانية يمثل مركز استماع مهما لمراقبة إيران، كما كانت موقعًا مهمًا لاعتراض الأسلحة المهربة من إيران، وكان البعض فى الجيش الأمريكى يرغبون بالتأكيد فى الإبقاء عليها أطول فترة ممكنة. إلا أنهم اضطروا إلى تسليمها إلى القادة العراقيين. وتظهر فى كل أنحاء العراق علامات الاستعداد للرحيل الأمريكى السريع والواضح. وفى أوائل ديسمبر، نشرت نيويورك تايمز أن عدد العراقيين الذين يعملون لدى الجيش الأمريكى تراجع من 44 ألفًا إلى عشرة آلاف و500 شخص منذ يناير 2009. وخلال صيف العام الحالى، تراجع عدد المتعاقدين والمستفيدين فى العراق الذين يتلقون أجورًا من الحكومة الأمريكية مباشرة، بنحو الربع. وقد بدأت أتشكك فى أنه لن تكون هناك قواعد أمريكية فى العراق بالفعل بعد عام من الآن. ومن المرجح تقديم بعض المؤن للمدربين الأمريكيين الذين سيتعين عليهم تدريب طيارين عراقيين، وأفراد آخرين على استخدام المعدات العسكرية المتقدمة. غير أننا لا نتحدث عن عدد كبير من الأفراد، ربما بضع مئات فحسب، ولن يتولوا مهمات عسكرية. ولا شك أن سلاح الجو الأمريكى، سيقوم شئنا أم أبينا بمهام القوات الجوية العراقية لعدة سنوات (طلب العراق الحصول على طائرات نفاثة مقاتلة وقاذفات مروحية، سوف تصل عام 2013، وسوف يستغرق الطيارون العراقيون سنوات حتى يعتادوا عليها). غير أن مهام الدعم الجوى القريب، سوف تدار من قاعدة العديد فى قطر. ويتخوف آخرون من أن الولاياتالمتحدة سوف تمارس نفوذًا سياسيا على العراق فى السنوات المقبلة. ولا يمكن إنكار هذا النفوذ المحتمل، غير أن النفوذ يختلف عن الهيمنة. وسوف يسعى العراق إلى إحداث توازن بين المطالب الأمريكية والمطالب الإيرانية، مثلما فعل فى السنوات الأخيرة. علاوة على ذلك، كشفت برقيات ويكيليكس الحجم الكبير للتأثير الأمريكى على السياسات فى أستراليا مثلا، ولن يكون نفوذ الولاياتالمتحدة فى العراق أقل بأى شكل من نفوذها فى أستراليا. وليس هناك من يزعم أن النمط المميز للإمبراطورية الأمريكية من وراء الستار سوف ينتهى مع الانسحاب من العراق. لكن ما سينتهى هو دخول جورج دبليو بوش فى ألعاب هيمنة إمبريالية مكلفة وفوضوية.