موضة أولاد .. شعر كانيش وبنطلون ساقط وشبشب مازال عمرو يحتفظ بصوره وهو طالب جامعى فى التسعينيات ويطالعها بين فترة وأخرى، «كنت بلبس على الموضة بس عمرى ملابسى الداخلية ما ظهرت». عمرو، 32 عاما، صاحب محل ملابس شبابى بمنطقة عين شمس، يظهر فى صورة أواخر التسعينيات مع أصدقائه أمام بوابة جامعة القاهرة الرئيسية، «بنطلون من القماش وقميص شبابى ضيق بلون وردى». يتعجب عمرو من مظهر الشباب اليوم فى الجامعة، عندما ذهب إليها منذ أربعة أعوام مع أخيه، «لقيت طلاب بيروحوا بالشبشب وتسأل واحد يقولك ده ماركة»، وفى هذه الفترة تحديدا ظهر «الشراب الصوابع على الشبشب، مع البنطلون الساقط، اللى بيظهر الملابس الداخلية، والقميص كل زرايره مفتوحة ماعدا اتنين والشعر الكانيش»، وهذا كان مظهر الشاب الجامعى، «الروش اللى طول النهار سماعة الموبايل فى ودانه وبيسمع أغانى». فجأة يضحك عمرو وهو يشير إلى البناية المقابلة للمحل، «زمان الستات فى العمارة دى كانوا بينشروا الملابس الداخلية فى أول حبل»، لكن بعد ظهور البنطلون «الوسط الساقط»، الوضع فى رأيه اختلف بسبب انتشار «الشورت القصير الملون بدلا من الملابس الداخلية البيضاء»، فاضطرت الأمهات إلى تخبئة الملابس الداخلية الجديدة فى الحبل الخلفى «علشان الرسومات اللى عليها مخجلة». خلال العشر سنوات الأخيرة، اختفت تماما موضة البنطلونات «الشارلستون» المميزة بتفصيلة واسعة عند نهايتها، والبنطلون «الباجى» المميز بجيوبه الكثيرة. يتذكر عمرو ملابس الصيف الماضى، «كان فى هدوم عليها رسومات بتلمع للولاد»، وهذا لم يكن معروفا قبل عشر سنوات، أيضا انتشر «البادى الضيق على الجسم» للشباب. مع بداية الألفية الثانية، دخل «جل الشعر» إلى مصر، واشتهرت تسريحة الشعر المعروفة «سبايكى»، وكانت «الدوجلاس» والسوالف الطويلة، هى موضة الشباب الجامعى، كما يقول عبده الحلاق فى منطقة المهندسين. وبعد أن تأثر الشباب لفترة طويلة بالفنان أحمد زكى «وكانوا بيطلبوا قصة الكابوريا»، أصبح جيل الألفية يطلب من عبده 35 عاما، «أنه يشيلها زيرو»، وهناك شباب كان يطلب فى بداية عام 2000 قصة شعر المطرب عمرو دياب، لكن بعد أن اشتهر تامر حسنى فى 2004 تقريبا، «الشباب بقى يعمل شعره سشوار ويطوله»، هذا بخلاف الشعر «الكانيش» الذى ظهر، بعد اختفاء الشعر الطويل المفرود. ومنذ أعوام قليلة أصبح نقش بعد الأحرف والرموز على الرأس خفيفة الشعر موضة، «وكل واحد يدخل يقول لى أعملى زى زيدان لاعب الكرة». موضة بنات .. الجينز على العرش رغم الإسدال تزامنا مع دروس عمرو خالد الدينية انتشر الحجاب بين المراهقات والفتيات الجامعيات فى بداية الألفية الثانية، ثم بدأت العباءات الخليجية فى السيطرة على ملابس بعض المحجبات، وظهرت «لفة الطرحة الخليجى» المميزة بخصلة الشعر السوداء التى تتدلى على الجبين، ورفع الشعر خلف الرأس إلى أعلى ليظهر الحجاب «منفوخا من الخلف». بعد فترة وتحديدا فى منتصف الألفية ظهر الإسدال الإيرانى، وبدأت العباءات تفقد أسهمها فى الأسواق وأصبحت تقتصر على السيدات كبار السن. أما الإسدال فأصبح الزى الرسمى للمحجبات بألوانه المتعددة، بين النبيتى والكحلى والزيتونى والأسود، حتى إن بعض الطالبات ذهبن به إلى المدارس، وانتشر فى الجامعة ولكن هذا الزى المحتشم لم يحد من ارتفاع رصيد النقاب بشكل كبير فى نفس التوقيت. ظلت الفتاة المحجبة التى لا ترتدى الإسدال أو العباءة، تعانى فترة طويلة للبحث بين ملابس غير المحجبات عن قمصان وبلوزات بأكمام. وفى ليلة وضحاها ظهر «المنقذ» كما تصفه المحجبات، «البادى» الضيق الشهير الذى سمح لهن بارتداء ملابس غير المحجبات، دون عناء البحث عن أكمام، وحل «المنقذ» أزمات فى فساتين الزفاف والمناسبات، التى لم يخصص منها موديلات تغطى الرقبة والذراعين، وأصبحت الحياة مختلفة فلا عوائق تقف أمام المحجبة عند ارتداء ملابس غير المحجبات. وسمح «المنقذ» للفتيات أن يقبلن موضة جديدة فى عالم الحجاب هى «الاسبانيش»، لأن «البادى» الشهير يغطى الرقبة، فلا حاجة لتغطيتها بالطرحة. وظهرت قبعات بموديلات مختلفة، «بديلة عن الحجاب»، وبعد فترة سمحت بنطلونات ضيقة من نفس ماركة «المنقذ» بارتداء المحجبات «جيبات قصيرة» مع أحذية مميزة برقبة عالية فى الشتاء، ولا ننسى ظهور «المايوه الشرعى»، المشابه فى تفصيلته لمنتجات «المنقذ». وفى كل الأحوال لم يفقد البنطلون الجينز «عرشه» طوال السنوات العشر الماضية، بعد أن أطاح بنظيره المصنوع من القماش، فبعد أن ظهر الجينز فى شكل «الديرتى»، بدا ممزقا و«مكسرا» وكأنه يحتاج إلى الكى، ثم سيطر بشكله الجديد «وسط ساقط»، فانتشر سريعا بين المحجبات وغير المحجبات والشباب أيضا، وأصبح الزى الرسمى لطلاب الجامعة. ويمكننا أن نتذكر أنه فى الفترة منذ أربعة أعوام تقريبا كان يمكن الخلط بين الشباب والبنات «خاصة بالظهر»، بسبب طول الشعر للأولاد، والباديهات القصيرة، والبنطلون «الساقط» ذى الرجل الضيقة، و«السابوه» فى الأقدام. مكاتب الزواج .. بيزنيس (جوزنى شكرًا) إلكترونى فى شهر يونيو الماضى وقع أول حادث من نوعه فى مصر، عندما شنق شاب نفسه على كوبرى قصر النيل، وطالعتنا الصحف بأن عمرو الضحية 31 عاما، عجز عن تدبير نفقات زواجه من حبيبته منى، هو السبب الذى جعله ينتحر ليتخلص من حياته بهذه الطريقة المأساوية، على أشهر كوبرى يجمع العشاق فى لحظات رومانسية معا. وفى عام 2010 أقدمت نحو ثلاثة آلاف فتاة على الانتحار بسبب العنوسة، طبقا لإحصائية حديثة صدرت عن المركز القومى للسموم. الخوف من لقب «عانس» عند الفتيات ظل يتضاعف على مدى عشر سنوات ماضية، فى حين ظل الشباب مكتوفى الأيدى أمام الظروف الاقتصادية التى منعتهم من الزواج. لكن هناك آخرين فكروا فى استغلال أزمة العنوسة لصالحهم، إنه «بيزنس» جديد ظهر مع بداية الألفية اسمه «مكاتب الزواج». البداية كانت فى أواخر عام 1999، عندما ظهر أول مكتب للزواج بعد حصول صاحب المشروع على موافقة أمنية من وزارة الداخلية وموافقة المفتى. وفى بداية الألفية الجديدة سيطر على المصريين فزع كبير عند إعلان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن وجود 9 ملايين شاب وفتاة عانس فى مصر، وتوالت الأحداث وأصبح هناك عشرات المكاتب بعد نجاح المشروع الأول لمكاتب الزواج. لكن ظلت الفتيات حبيسة الخوف، لأن التردد على هذه المكاتب معناه إن «البنت بتدور على عريس»، وهذا مبدأ مرفوض لا تقبله عادات وتقاليد الأسر المحافظة. لكن هذه المكاتب تعاملت بحيطة مع الأمر فاختارت مقار فى مناطق متفرقة، وأغلبها فى شوارع هادئة دون عمل إعلانات ضخمة تشير إلى هوية المكان أو خدماته. وبعد أن انفردت مكاتب الزواج لفترة بهذا النوع من «البيزنس»، فجأة بدأ يظهر على الساحة منافسون، خصوصا بعد انتشار الفضائيات الخاصة بالزواج، بالتزامن مع دخول الكمبيوتر والإنترنت فى كل بيت مصرى تقريبا وتخصيص مواقع لإيجاد «شريك العمر». وفتحت مواقع الزواج الإلكترونية الباب أما الشباب والفتيات، والمطلقات والأرامل، وحتى الرجال المتزوجين لديهم فرصة أخرى، والتقديم مفتوح أمام جميع الأعمار التى تبدأ من 17 إلى ما بعد 70 عاما. وبدأت آلاف الطلبات تتوافد على المواقع والقنوات لأنها تحظى بجانب كبير من الخصوصية، وفقدت المكاتب الأمل فى المنافسة أمام التكنولوجيا المتطورة لحل أزمة العنوسة. وبدأت بعض الجرائد والمجلات فى تثبيت باب خاص داخل الأعداد اسمه «ابن الحلال»، وبدأ راغبو الزواج يرسلون طلباتهم لنشرها فى المكان المخصص، واختفى حياء الناس بالتدريج تجاه هذه الطلبات التى حملت جرأة ملحوظة مع مرور الوقت. فكر أصحاب المكاتب فى كيفية ضمان نصيبهم من كعكة الخائفين من شبح العنوسة، وخرجت إعلانات مكاتب الزواج التى بدأت متوارية عن الأعين إلى النور، فى ملصقات داخل عربات مترو الأنفاق، ودونت على حوائط الشوارع فى الأحياء الشعبية بخط عريض بالألوان «عريسك عندنا اتصل الآن على هذا الرقم». ووزعت فى إعلانات ورقية على المارة تناشد بطريقة صريحة «راغبى الزواج عروستك عندنا.. وعريسك عندنا»، وأحيانا يدون فى الإعلان مغريات تلعب على فقدان بعض مقومات الزواج، منها «يقدم المكتب عروضا مغرية للرجال الذين لا يملكون مسكنا للزوجية فهناك آنسات وأرامل ومطلقات لديهن سكن كامل للمعيشة ولدينا فرص للسفر والإقامة». وفى عام 2009 أعلن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن وجود 13 مليون عانس بين الجنسيين تحت أعمارهم 35 عاما بدون زواج، وهذا يعنى أن مشاريع الخاطبة الحديثة المتمثلة فى القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية ومكاتب الزواج وحتى باب «ابن الحلال» فى الجرائد والمجلات لم تحل كلها أزمة العنوسة فى مصر خلال السنوات العشر الماضية.