لا أستبعد أن يكون من سموا أنفسهم «مجاهدى أوروبا» وراء التفجير الإرهابى الذى وقع فى العاصمة السويدية استوكهولم يوم الأحد الماضى (12/12)، لكننى لا أخفى شكوكا فى العملية تدفعنى إلى عدم التسليم بأن ذلك هو الاحتمال الوحيد. أدرى أن لدى أمثال تلك المنظمات المجهولة التى لا نعرف من أين أتت ولا من وراءها، قدرا من الغباء والسذاجة يجعلها تقدم على عملية من ذلك القبيل، لكن الشكوك راودتنى حين وجدت أن التفجير الذى تم فى استوكهولم يضر بالمسلمين بأكثر من إضراره بالمستهدفين فى السويد. وخطر لى أن يكون الأمر أكثر تعقيدا وخبثا مما بدا لنا لأول وهلة. لقد تحدثت الصحف عن انفجارين وقعا فى أحد الأحياء المزدحمة بالعاصمة السويدية، وأن أحدهما انطلق من سيارة كانت محملة بأسطوانات الغاز. وأن الانتحارى الذى قتل فى انفجار السيارة كان يرتدى كوفية فلسطينية مرقطة، وأنه كان يردد عبارات رجح الذين سمعوها أنها باللغة العربية. كما ذكرت وكالات الأنباء أن الانفجارين وقعا بعد عشر دقائق من تلقى وكالة الأنباء السويدية (تى.تى) رسالة تهديد عبر البريد الإلكترونى بشأن الوجود العسكرى السويدى فى أفغانستان، وتفجر أزمة الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام. وفى وقت لاحق ظهر فى الأفق موقع يسمع به لأول مرة يحمل اسم «شموخ الإسلام»، أعتبر أنه حقق نصرا إعلاميا كبيرا حين نشر اسم الانتحارى الذى قام بالعملية (تيمور عبدالوهاب، قيل إنه من العراق). وظهر الشاب وسط واد أخضر وقد ارتدى بدلة سوداء، ونظارة من ذات اللون وقد وضع يديه فى جيبى سرواله. أثار انتباهى فى العملية اختيار المكان وتوقيت العملية وبعض التفاصيل المتعلقة بالانتحارى الذى قام بالتنفيذ. فقد ذكرت التقارير أن التفجير كان تصفية للحساب مع السويد التى أرسلت بعض قواتها للاشتراك فى القتال بأفغانستان، والتى نشرت فيها الرسومات المسيئة للرسول. واستغربت أن يتذكر هؤلاء تلك الخلفية الآن، بعدما مر عليها أكثر من ثلاث سنوات. ولاحظت أن التفجير تم فى الوقت الذى عبرت فيه دول شمال أوروبا عن تضامنها مع الفلسطينيين بصور شتى. فقد راج فى المنطقة بصورة منقطعة النظير كتاب «عيون على غزة» الذى ألفه الطبيبان النرويجيان مارس جيلبرت وإيريك فرس، اللذان سجلا تجربتهما حينما ذهبا لإغاثة الجرحى والضحايا أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة عام 2008، وفضحا فظاعة الحدث وبشاعة الممارسات الإسرائيلية. طبع الكتاب ست مرات فى النرويج، وترجم أخيرا إلى اللغة الإنجليزية. وقد امتدح وزير خارجية النرويج يوناس جار ستور الكتاب، ونظمت حملة نرويجية ضمت مائة شخصية بارزة دعت إلى مقاطعة إسرائيل أكاديميا وثقافيا. قادها إيجيل أولسن، مدرب الفريق الوطنى لكرة القدم، الذى قال إن الحملة تمثل رأى 90٪ من النرويجيين. كما أن وزيرة خارجية الدنمارك لينى اسبرسن أعلنت موقفا جريئا ضد المستوطنات، أزعج الخارجية الإسرائيلية التى طلبت إيضاحات من سفارة الدنمارك. إذ هاجمت المستوطنات وقالت إنها غير شرعية وتمثل عقبة أمام السلام، وطالبت رجال الأعمال الدنماركيين بعدم القيام بأى عمل يساعدها. الخلاصة أن دول اسكندنافيا شهدت فى الآونة الأخيرة أجواء إيجابية متضامنة مع العرب والفلسطينيين، بدت نشازا وسط حملة العداء لهم التى هبت رياحها فى هولندا وألمانيا وسويسرا، وإذا بعملية التفجير الأخيرة تنطلق فى استوكهولم لتقلب الصورة رأسا على عقب. من ناحية أخرى، استوقفتنى حكاية الكوفية الفلسطينية التى تلفع بها الانتحارى وهو ذاهب لكى يفجر نفسه. فى حين يفترض أن يتخفى حتى لا ينكشف أمره. وكأن هناك من قصد وضع الكوفية لكى يشير بسهم الاتهام إلى الفلسطينيين واستغربت أن يذهب صاحبنا لكى يفجر نفسه بالكوفية الفلسطينية، وحين نشر موقع «شموخ الإسلام» صورة له، بدا واقفا وسط الخضرة وقد ارتدى بدلة غربية ونظارة سوداء، كأى ممثل سينمائى. أمام هذه الملاحظات فإننا نصبح أمام أحد احتمالين، إما أن هذه المجموعة اتسمت بغباء لا حدود له وأساءت تقدير كل شىء، حتى تصرفت على ذلك النحو. وإما أن نكون بصدد ملعوب تم تدبيره من جانب أطراف ذات مصلحة لترويع الأوروبيين، وتنفير الجميع من المسلمين، وصرف الانتباه عن فضائح وثائق ويكيليكس التى شغلت الدنيا وحيرت الناس والله أعلم