محمد البرادعى، يبدو انه يعرف قدره جيدا، ولا يريد المغامرة ولا يؤمن بنظرية «خبط الدماغ فى الحيط». كثيرون من انصار التغيير والمطالبين به والمشتاقين إليه، كانوا يريدون من الرجل ولهم بعض العذر أن ينزل الشارع فى أول يوم عاد فيه من فيينا للتظاهر، ثم استمروا يطلبون منه ذلك كل يوم، ويريدون منه ان يفعل ذلك الآن أو غدا على أقصى تقدير. المؤكد أن البرادعى يعرف طبيعة المجتمع المصرى، والأكثر تأكيدا أنه يعرف حقيقة النظام ومدى تجبره. ولذلك ظل الرجل يلاعب الحكومة بهدوء شديد تعرض بسببه لانتقادات من أقرب الناس إليه. هؤلاء لم يسألوا أنفسهم سؤالا بسيطا: سنفترض أن البرادعى صدقهم ونزل إلى الشارع متظاهرا فى أى قضية من قضايا الوطن.. فما الذى سيحدث؟ ببساطة سيجد الرجل نفسه محاطا بحوالى ألف شخص على أقصى تقدير. هم مجموعة الذين يتظاهرون فى كل القضايا من التضامن مع خالد سعيد نهاية بالاعتراض على ما حدث فى الانتخابات، لكنه سيجد نفسه محاطا بأكثر من خمسة آلاف جندى... وسيجد نفسه وحيدا فى مواجهة الأمن مثلما كنا نرى أحيانا بعض المحتجين على سلالم نقابة الصحفيين. إذا حدث ذلك فان صورة الرجل كرمز سوف تنهار، ولن تأخذه الحكومة أو غيرها بجدية بعد ذلك، بل ستتعامل معه باعتباره درويشا. إذن ما الحل؟! الرجل قال فى حوار مع وكالة الاسوشيتدبرس قبل ثلاثة أيام «أنه ليس من حق أى شخص ان يتحدث معى ويطالبنى بالتغيير ما دام لم يوقع على بيان المطالب السبعة.. أضاف الرجل «ان على الناس ان يفهموا ان العمل من أجل الحرية له ثمن.. وان تظاهر مليون مواطن فى الشارع سيغير النظام. إذن الذى ينتقد البرادعى ويطالبه بالجرأة والجسارة عليه أن يكون مستعدا أن يوقع على بيان التغيير أولا ثم يكون مستعدا لأن يسير وراء الرجل ثانيا، وان يكون ثالثا مستعدا وهذا هو الأهم لدفع الثمن. الذين وقعوا على بيان التغيير يقتربون من المليون والمؤكد أن كلهم أو حتى معظمهم ذو نوايا طيبة ويريد الإصلاح، لكن كم منهم مستعد للسير حتى آخر الطريق.. بل كم منهم مستعدا للنضال والكفاح ضد الفساد والظلم فى محيطه الضيق. لو ان كل شخص ناضل بصورة صحيحة فى مجاله الصغير، فربما ما كنا فى حاجة إلى تغيير فى القمة. نحن الذين اخطأنا حينما حاولنا اقناع البرادعى بانه بنى التغيير ليس حبا فى الرجل، ولكن كى نعفى أنفسنا من أداء أى مسئولية، ونحملها له بالكامل، فالنبى قادر على كل شىء وعلاقته بالسماء مفتوحة. لكن البرادعى كان واعيا وفى كل مرة يقول انه بشر وعلى الناس ألا يختبأون وراء شخصه. قبل أن نلوم البرادعى على أى تقصير علينا أن نلوم أنفسنا أولا، ثم نلوم أحزاب المعارضة التى باعت الرجل للحكومة بثمن بخس، ولم تكن تدرى أن الدائرة ستدور عليها. معادلة التغيير بسيطة: إيمان بالتغيير وسط الغالبية ثم قيادة منظمة وأخيرا رمز... فهل نملك هذه المعادلة؟!