الاحتفال الدولى لدار الكتب بمناسبة مرور 140 عاما على تأسيسها.. يقلب علينا البهجة والمواجع. من البهجة أن دار الكتب تعتبر من أقدم دور الكتب فى العالم، تأسست عام 1870م. وتعد من أبرز المكتبات التى تهتم بانجاز الأنشطة الببليوجرافية بحكم أنها المكتبة الوطنية بمصر، حيث إنها تمتلك عددا كبيرا من المكتبات التى أهداها أصحابها ووقفوها على دار الكتب، فضلا عن المكتبات المصادرة من القصور الملكية. ويعود ذلك إلى عراقتها من حيث التأسيس، واحتوائها على مخطوطات نادرة كثيرة تم صيانتها بشكل متحضر، كما أنها من أهم المراكز العلمية العالمية تأثيرا فى توجيه جهود المستشرقين. من المباهج أيضا والتى عرضتها الصفحات الثقافية بمعظم الصحف خلال الأيام الماضية بشكل مكثف. ونشير إلى بعض الأبحاث المقدمة بالمؤتمر الدولى، التى تحدثت عن عظمة الدار، وبعض الحكايات التاريخية التى تحكيها خزائن دار الكتب، أن أكمل الدين إحسان أوغلى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى حكى عن سنوات أربع قضاها فى دار الكتب فى الستينيات، مؤكدا أنه ينظر إلى المستقبل: «الذى نتطلع إليه جميعا، حيث يستكمل جيلنا مرحلة الرواد العظام الذين حفلت بهم دار الكتب، وأولئك العلماء الذين قصدوها من كل أنحاء العالم، إننى فى موقعى هذا كأمين عام لمنظمة المؤتمر الإسلامى وأحد أبناء هذه الأرض، أدعو جميع العلماء والمبدعين أن يمدوا يد العون ويحرصوا على التعاون معها والوفاء لرسالتها، وأن نرد بعض الدين لها». وختم كلامه: «إن كانت مصر أم الدنيا فدار الكتب والوثائق المصرية هى قلب تلك الأم الحنونة، وهى ذاكرتها الحية وحاوية تراث دنياها الواسعة التى شملت الشرق والغرب». أما د. أيمن فؤاد سيد أستاذ التاريخ وخبير المخطوطات فقال إن مصر عرفت منذ العصر الفاطمى خزائن الكتب المهمة وأهمها خزائن كتب القصر الفاطمى وخزائن دار الحكمة، وهى الكتب التى أحرقها وتخلص منها صلاح الدين يوسف بن أيوب ظنا أنها تحوى عقائد وأفكار الإسماعيلية. ومع ظهور نمط المدارس مع الأيوبيين وازدهاره فى عصر المماليك، كانت خزائن كتب المدارس أهم ما يميز المدارس فى مصر خاصة بعد سقوط بغداد وانتقال مركز الثقل الثقافى والحضارى إلى القاهرة. فى حين رصد الباحث الدكتور حسام عبدالظاهر الدور الذى قامت به الدار فى نشر التراث العربى الإسلامى عبر مراحلها المختلفة (الكتبخانة الخديوية دار الكتب الخديوية دار الكتب السلطانية دار الكتب الملكية دار الكتب المصرية). أما المواجع الدكتور صابر عرب رئيس الدار يحاول الحد منها عن علم ورؤية صافية فهى تبدأ من دخول الدار إلى الإطلاع وخدمة الباحثين ويتوازى مع هذه المواجع، حالة فريدة نتميز بها فى مصر فقط، وهى ذهنية التعامل مع الباحثين وكأنهم لصوص مخطوطات، ومتلفون دوريات. لكن قبل الدخول فى صلب الموضوع، يجب الإشارة هنا إلى الدكتور خالد فهمى رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية، الذى نبهنى إلى أشياء وزوايا مختلفة فى تناول حكاية دار الكتب وكذلك دار الوثائق القومية، لذلك يجب التفرقة بين دار الكتب ودار الوثائق القومية والتى نختلف على تاريخ تأسيسها، فهى تأسست عام 1828 كبداية حكومية تخص الدولة أو فى عام 1954 كبداية تخص الباحثين حيث تم افتتاحها أمام الجمهور. وللحقيقة فإن دار الوثائق تحتاج إلى مناقشة جادة إلى ما تتعرض لها. ولكن هذا يحتاج إلى مجال آخر ليس محله الآن. أما الذى نحتفل به هذه الأيام هى دار الكتب التى أسسها على مبارك، طبقا للأمر العالى الصادر عن الخديو إسماعيل بتاريخ 23 مارس 1870، وجمع فيها الإنتاج المشتت فى المساجد والمدارس ودور الكتب القديمة، واستقرت فى قصر الأمير مصطفى فاضل باشا شقيق الخديو إسماعيل فى شارع الصليبة فى السيدة زينب. وافتتحت رسميا للجمهور للقراءة والاطلاع والنسخ والاستعارة فى الرابع والعشرين من ديسمبر من السنة نفسها 1870. قرأت بعض أبحاث الحاضرين فى المؤتمر الدولى الذى انتهى الثلاثاء الماضى، فضلا عن ملخصاتها، ولم أجد فيها ما يناقش بالعقل كيف نطور دار الكتب أو طرح السؤال المهم لماذا نحتفل بدار الكتب ومرور 140 عاما من التنوير.. أى تنوير؟، وهل جمع الكتب والأرشيفات والمكتبات يمثل نوعا من التنوير (الاستنارة)؟، ولماذا نحتفل بها فى ظل عدد الزائرين الضئيل للدار، وبالتالى إنتاج معرفى ضعيف فى النهاية. معظم الأبحاث قدمت بشكل احتفالى أهمية دار الكتب والانجازات التى تمت فيها، وبالطبع هذا مطلوب. فى الوقت نفسه، وجدت أبحاث قليلة جدا تتناول كيفية الرقى بالنشر التراثى، والحفاظ على المخطوطات النادرة بالدار. لكن كان يجب ألا يمر المؤتمر دون طرح مشاكل الباحثين ورواد الدار، فضلا عن شكاوى كثيرة عرضها من قبل رئيس الدار نفسه الدكتور محمد صابر عرب. كانت هناك مناقشات جانبية بين الحضور حول تلك المشكلات. لكن أوراق المؤتمر، التى ستبقى فى التاريخ، لم تعرض لواحدة منها. النظرة التشاؤمية للأوضاع غير مفيدة للتطور، لذلك لا يجب أن ننظر إلى هذه السطور على أنها تقدم السواد فقط، كما يجب التشديد على أن د. صابر عرب لا يتحمل وحده المواجع، حيث نشهد تطورا إلكترونيا وحضاريا لدار الكتب الآن، وبمساعدة جانبية من بعض الجهات مثل مكتبة الإسكندرية. لكن السؤال الرئيسى والذى لم أجد إجابة عنه، وللأمانة هو سؤال يخص د. خالد فهمى: الدار... خزانة للكتب أم مكان لإنتاج المعرفة؟ نظرة بسيطة على دار الكتب نكتشف أنها تقدم خدمتها من خلال 15 قاعة متخصصة تتيح لروادها خدمات عديدة، مثل: الاطلاع والبحث؛ التصوير «الورقى، الميكروفيلمى، على (CD)»، تدريب الطلاب. ورغم ذلك لا نجد إنتاجا كبيرا لهذه الخدمات التى يشتكى منها الباحثون، سواء من الخدمة الضعيفة أو من تعامل الموظفين معهم. معيار الإقبال الجمهورى هو ما يحدد أهمية المكان، وهل هو للحفظ وللصيانة أم للإتاحة والعلم. وكيف نطور الدار إذا كانت مكانا لإنتاج العلم والمعرفة؟!. اعتقد الإجابة تتمثل فى تغيير ذهنية العقل المصرى عن مكان المحفوظات والأرشيفات، ولنبدأ بتغيير ذهنية الموظفين مقدمى الخدمة للباحثين وبث روح البحث العلمى والاهتمام بإنتاج المعرفة فى مناهج التعليم، ومن ثم سنجد إقبالا جماهيريا كبيرا فضلا عن موظفين وخدمات تليق بالمعرفة والعلم.