بدأت المناوشات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وهذا أمر حسن. فالإدارة الأمريكيةالجديدة لا تخدم المصالح الإسرائيلية دون تحفظ. وتبدو الدولة اليهودية أقل أمنا وأقل حبا فى إطار السياسة، التى تبنتها واشنطن فيما بعد الحادى عشر من سبتمبر، التى كانت ترى إسرائيل على حق دائما. وتأتى الانتقادات الموجهة إلى حكومة يمين الوسط بزعامة بنيامين نتنياهو من مصدر مختلف، وهو وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون. فقد انتقلت برباطة جأش من الاهتمام بالمصالح، التى كانت تمثلها كنائبة عن ولاية نيويورك فى مجلس الشيوخ إلى التقييم الهادئ لمصالح الولاياتالمتحدة. وهذه المصالح لا تتفق دائما مع مصالح إسرائيل. وقد سمعت أن كلينتون صُدمت بما رأته أثناء زيارتها الأخيرة للضفة الغربية. ولا غرابة فى هذا. فالتحول عن إسرائيل التى يعطيها العالم الأولوية والالتفات إلى الحمير، والعربات والعاطلين خلف جدار الفصل أمر مؤلم. إذ إن المعاناة الإنسانية هى أكثر ما تهتم به كلينتون. والحقيقة أنك لا يمكن أن تسير بالسيارة فى الأراضى الفلسطينية بقدر ما تغرز فيها. فكل شىء بطئ، ما عدا سيارات المستوطنين اليهود على الطرق السريعة المسيَّجة المخصصة لهم. ومجمل مساحة الضفة الغربية الخربة تقسمها المستوطنات الشبيهة بالحصون التى تحتل قمم التلال. فإذا كنت تسعى لإعداد بحث عن الاستعمار، فهذا مكان لا بأس به للبداية. ولكن لا يرى معظم الإسرائيليين هذا إلا عندما يلتحقون بالجيش. وقد رأت كلينتون هذا. وكما فهمت، فقد أزعجها، العار المحيط بتلك المستوطنات. والآن، تحذر نتنياهو من الابتعاد عن «خطوط التماس» فيما يتصل بجهود السلام الفلسطينية. ولنتذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلى وحزبه اليمينى، الليكود، لا يقبل حتى الآن بمجرد فكرة حل الدولتين. وقالت كلينتون، أثناء إدلائها بشهادتها أمام مجلس النواب الأسبوع الماضى: «على إسرائيل، كى تفوز بالتأييد القوى، الذى تسعى إليه فى مواجهة إيران، ألا تكتفى بالوقوف على خطوط التماس فيما يخص الفلسطينيين وجهود السلام. فلابد لهم من العمل معا». وكان هذا توبيخا مباشرا لمساعدى نتنياهو على تعليقاتهم للواشنطن بوست بأن إسرائيل لن تدخل فى محادثات السلام إلا إذا تصدت الولاياتالمتحدة لمشروع إيران النووى ولنفوذها الإقليمى المتزايد. وبالرغم من أننى لا أوافق على أشكال الربط، التى يقدمها نتنياهو وكلينتون بين إيران والسلام الإسرائيلى الفلسطينى، حيث إن المسألة ليست كيف نهدد إيران بل كيف نحضرها إلى الخيمة فإننى أتفق معهما على أن هذا الربط قائم. وفى مدريد، وفى أوسلو وأنابوليس، وعلى مدى 16عاما، بُذلت المحاولات لإحداث تقدم فى مسار السلام مع استبعاد إيران. ولم ينجح هذا، ولن ينجح الآن. وتتمثل البراعة فى الشروع فى جهود السلام والسعى فى الوقت ذاته إلى تحقيق التقارب بين الولاياتالمتحدةوإيران. ويبين هذا أهمية ما قالته كلينتون لنتنياهو من أنه لا يمكنه التهرب من العمل من أجل السلام، وهو ما يعنى وقف بناء المستوطنات الآن بإقحام مسألة إيران. كذلك أظهرت كلينتون تحولا مهما فيما يخص الموقف من حماس، التى تعتبرها الخارجية الأمريكية جماعة إرهابية. ففى حين تؤكد أن الأموال لن تتدفق على حماس «أو أى هيئة خاضعة لها»، دعت إلى إبقاء الخيارات الأمريكية مفتوحة على احتمال قيام حكومة وحدة فلسطينية بين المعتدلين من فتح وحماس. فإذا أوفت حكومة الوحدة بالشروط الثلاثة نبذ العنف، والاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود، والالتزام بالاتفاقات السابقة ستكون الولاياتالمتحدة مستعدة للتعامل معها، بما فى ذلك تقديم مساعدات مقترحة تصل إلى 900 مليون دولار، حسبما أشارت كلينتون. وهناك مشروعات بين واشنطن والحكومة اللبنانية، التى يسيطر فيها حزب الله على 11 مقعدا من 30، بالرغم من أن حزب الله أيضا يعتبر بالنسبة لواشنطن جماعة إرهابية. وهذا التغير فى السياسة الأمريكية مغزاه أكبر من السياسة السابقة، التى كانت تصر على قبول حماس نفسها وليس حكومة الوحدة بالشروط الثلاثة. ولا يمكن تحقيق السلام بتجاهل وجود حماس، وهو ما يجعل من إنجاز الوحدة الفلسطينية أولوية أمريكية. وهذا التحول الحكيم سيغضب إسرائيل، بالرغم من أنها تتفاوض بشكل غير مباشر مع حماس عن طريق مصر. وموقف إسرائيل الرسمى من حماس أى ضرورة الاعتراف بها قبل بدء أى محادثات يتعارض كثيرا مع سياسة الأمر الواقع التى تنتهجها إسرائيل منذ 1948. من هنا، فهذا أسبوع أهنئ كلينتون عليه، بالرغم من إشارتها إلى «فرض عقوبات مشددة» على إيران إذا فشل الاقتراب المقترح. فالعقوبات لم تفلح ولن تفلح. ولن تجلس طهران إلى الطاولة إذا رأت أن اليد الممدودة من أوباما مجرد مدخل خادع لفرض إجراءات «مشددة». ونصيحتى لطهران هى: مراقبة ما يقوله أوباما. فهو الذى يقود السياسة الأمريكية تجاه إيران. وهو يفعل هذا بطريقة تعنى أن الخلاف الإسرائيلى الأمريكى، الذى يتضح من ملاحظات كلينتون سيكون موضوع العام الأول لرياسته. وحسبما أخبرنى لى هاميلتون من مركز ودرو ويلسون: «هناك بوادر تشير إلى أن الولاياتالمتحدة ستواجه بعض الخلافات الكبرى مع إسرائيل». كما قال إن نتنياهو أكثر مرونة عما يعُرف عنه. فهل يكون نتنياهو صانع سلام مثل بيجن؟ هذا أمر ممكن. وكذلك موقف أوباما من طهران. بشرط أن يعمل الرئيس على الجبهتين فى وقت واحد.