فى حلقة جديدة من مسلسل الامتهان للحقوق العربية الذى تمارسه إسرائيل بطريقة منتظمة، أصدر الجيش الإسرائيلى أمراً قد يؤدى إلى طرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون فى الضفة الغربيةالمحتلة دون تصاريح، أو يزج بهم فى السجون بتهم جنائية. هذه الحلقة من الامتهان الغرض منها إحكام السيطرة الأمنية للجيش الإسرائيلى على الأرض المحتلة، واتخاذ ذلك ذريعة لطرد آلاف الفلسطينيين من الضفة بحجة أنهم أو آباءهم من مواليد غزة. تحتل إسرائيل الضفة الغربيةوالقدسالشرقية منذ عام 1967 وبإمكان الجيش الاسرائيلى إصدار أوامره فى الضفة الغربية إلا أنه يمكن للحكومة أو المحاكم الإسرائيلية إلغاؤها. من وجهة نظرنا القرار الإسرائيلى يذهب بعيدا إلى تأكيد انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية ويمهد لإقامة كيانين فلسطينيين فى كل من القطاع والضفة كبديل لدولة فلسطينية واحدة تضطر إسرائيل إلى تقديم تنازلات لها. القرار الإسرائيلى ليس جديدا ولكنه - فى الواقع - تطوير لأمر موجود بالفعل جرى إعادة صياغته بلغة عامة غير واضحة وملتبسة تقضى بتطبيق مصطلح (متسلل) على فلسطينيين من سكان مدينة القدس، وعلى مواطنين آخرين من دول تقيم إسرائيل معها علاقات صداقة مثل الولاياتالمتحدة، ومواطنين إسرائيليين سواء كانوا عرباً أو يهوداً. يعنى القرار جرى توجيهه ليعصف بالفلسطينيين من أصحاب الأرض الذين يقاومون عملية الاستيطان، وإلى الناشطين من دول أخرى بما فى ذلك يهود من إسرائيل ومن خارجها يتضامنون مع الشعب الفلسطينى. قالت الصحيفة الإسرائيلية التى نشرت الخبر إنه بموجب تلك التعديلات على أمر منع عمليات التسلل، يمكن أن تنطبق على فلسطينيين يعيشون فى الضفة الغربية دون بطاقات هوية رسمية تصدرها إسرائيل، إضافة إلى إسرائيليين وأجانب يعملون فى المناطق الخاضعة لسلطة فلسطينية محدودة. ذلك يعتمد على ما يراه قادة القوات الإسرائيلية فى الميدان. أوضحت الصحيفة أنه من المرجح أن يطبق الأمر الجديد أولاً على الفلسطينيين الذين يحملون بطاقات هوية من غزة وعلى الأجانب المتزوجين من فلسطينيين ويقيمون فى الضفة الغربية. وأشارت إلى أن المحاكم المدنية الإسرائيلية منعت حتى الآن تنفيذ مثل عمليات الطرد هذه إلا أن الأمر المعدل سيعطى الجيش الصلاحية التامة للقيام بذلك. إلى هنا الأمر واضح فى أهدافه رغم الصياغة الغامضة للقرار، فإسرائيل لديها مخطط لتنفيذ رؤيتها بالنسبة لمستقبل الأراضى المحتلة يعتمد أول ما يعتمد على ضعف الموقف العربى بصفة عامة وعدم قدرته على بناء استراتيجية عملية تتصدى للأطماع الإسرائيلية. أقل قدر من التأمل للموقف يؤكد عدة حقائق، فالعرب قدموا وثيقة للصلح مع إسرائيل أيا كان اسمها تتضمن إنهاء حالة الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية منذ عام 67 والتفاهم مع الفلسطينيين لإقامة دولتهم، وإنهاء حالة العداء، والعودة إلى الأوضاع الطبيعية. إسرائيل رفضت ذلك لأنها لا تريد إنهاء الاحتلال، ولا تريد سلاما عادلا ولا تريد أن تصبح دولة عادية مثل غيرها من الدول، بل تريد أن تظل بؤرة للصراع والمشاكل.. هذه السياسات الإسرائيلية لا تخدم السلام، ولا مصالح الولاياتالمتحدة. هنا نلاحظ أن الموقف العربى نبذ التصدى بالقوة للمخطط الإسرائيلى، دون أن يستطيع ترتيب البديل السياسى المناسب والفعال لذلك. إن التصدى للأطماع الإسرائيلية لا يمكن أن يكتمل دون احتمال استخدام القوة اللازمة لإعادة التوازن إلى الأمور إذا اقتضت الضرورة ذلك، فالاستبعاد النهائى لعامل استخدام القوة دون البديل السياسى القوى والفعال يسبب نمو التطرف والاستهانة بالطرف المطالب بالحق كما يحدث فى إسرائيل الآن إذ تسير الأمور فى اتجاه تجاهل الطرف الفلسطينى والعربى مادام غير قادر على استخدام القوة، وبالتالى فلا خوف منه ولا حاجة لأن نعيره انتباهاً بالنظر فى مطالبه، بل تطور الأمر إلى تجاهل الحليف الأمريكى ذاته فيما يتعلق بسياسة الاستيطان. أما فيما يتعلق بالبديل السياسى أى الاعتماد على الضغوط الدولية لإجبار إسرائيل على التخلى عن الأراضى المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية فهى استراتيجية تفتقر إلى الآليات والسياسات التنفيذية الضرورية، ورقة الضغط لا تنتج أثرا يذكر دون موافقة صريحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية على مواجهة السياسة الإسرائيلية غير الواعية بالمتغيرات الدولية، تلك السياسة التى تعتمد على تأييد الناخب الأمريكى لوهم كبير اسمه الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط وهى إسرائيل. حتى الآن لم تتمكن المجموعة العربية أو السياسة العربية من اختراق الولاياتالمتحدة سياسيا، فلايزال الناخب الأمريكى يؤيد مطالب إسرائيل عشوائيا، وهو غير مقتنع بعدالة الموقف العربى وحق الشعب الفلسطينى فى أن تكون له دولته. فهل يعود ذلك الى شطارة إسرائيل أم إلى فشل السياسة العربية؟ لن أجيب عن سؤال تبدو إجابته بديهية، لكن ما أود التأكيد عليه هو أن طرح المبادرة بالسلام وحده لا يكفى دون تليين المواقف المؤيدة وربطها بقاعدة تبادل المصالح واقتسام المنافع، لا معنى لأن نطالب الولاياتالمتحدة بدعم مبادرة السلام وتسويقها داخل إسرائيل، بينما نرفض أى محاولة عربية لتسويقها داخل اسرائيل . فى نفس الوقت الذى تتسم فيه السياسة العربية تجاه مصالح الولاياتالمتحدة بالغموض. إن الاعتصام بالمقاطعة ورفض التطبيع مع إسرائيل الهدف منه الضغط عليها وتأجيل تبادل المنافع لما بعد القبول بالسلام، ولكن الفكرة نفسها تتعرض للتشويه فى إسرائيل ويزداد نفوذ المستوطنين الذين تتعارض مصالحهم مع المطالب الفلسطينية مما أدى إلى سيطرتهم على القرار السياسى. فى مقابل المستوطنين هناك قوى لا يستهان بها فى المجتمع الإسرائيلى تدرك أهمية السلام وتحاول تمرير مشروع الدولتين وتعارض التصرفات الحمقاء للحكومة الإسرائيلية الحالية، وتدعم الجهود الأمريكية للضغط على حكومة نتنياهو المتطرفة، السؤال هنا هو: هل يكفى الانتظار حتى يقضى الله أمرا، أم ننحاز لمصالح أمريكا فى مقابل انحيازها لمصالحنا، أم نتواصل مع القوى المؤيدة لمطالبنا داخل إسرائيل، أم يجب أن نعرف ماذا نريد بالضبط قبل أن نتحرك فى أى اتجاه