أمام مصر فرصة وجيزة بعد الانتخابات البرلمانية المقررة يوم الأحد المقبل لتنفيذ إجراءات اقتصادية -لا تحظى بشعبية- تساعد على الوصول إلى معدل نمو يبلغ 7%، وهو ما تقول إنه مطلوب للحد من البطالة. وتخاطر الحكومة التي تلجأ إلى الاقتراض لتمويل عجز ضخم في الميزانية بمزاحمة الشركات الخاصة على مصادر التمويل. ويفضل المسؤولون اتخاذ إجراء في وقت مبكر لخفض العجز على أمل تهدئة أي استياء شعبي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. وبعد الانتخابات البرلمانية سينصب الاهتمام على الانتخابات الرئاسية في النصف الثاني من 2011. وتنتهي ولاية الرئيس حسني مبارك الراهنة، والتي تمتد ست سنوات، في سبتمبر المقبل. ومن المستبعد أن تضعف الانتخابات، سواء البرلمانية أو الرئاسية، من قبضة الحزب الوطني الديمقراطي على السلطة، لكن الحكومة ما زالت تتعامل بحساسية مع توقيت إجراءات التقشف التي قد تثير استياء الرأي العام قبيل انتخابات الرئاسة. وقال مسؤول حكومي طلب عدم نشر اسمه: "الذاكرة قصيرة المدى.. إذا نفذناها الآن سينسونها." ومن بين خطوات خفض العجز المعلقة حتى الآن الضريبة العقارية وضريبة مبيعات واستهداف أكثر فاعلية للفقراء ببرنامج الدعم؛ ما من شأنه أن يزيد أسعار البنزين وغاز الطهو على العديد من المستهلكين. ويتشكك العديد من المصريين -بدرجة كبيرة- في تحقيق أي إصلاحات اقتصادية، وينظرون إليها باعتبارها صممت لدعم الأغنياء على حساب الفقراء. وقد يكون هذا من أسباب تأجيل إجراءات خفض النفقات لحين الانتهاء من الانتخابات البرلمانية. وقال نبيل عبد الفتاح، المحلل السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: "أي زيادة في الأسعار الآن في ظل معدلات التضخم والبطالة الراهنة ستنعكس سلبا على الحزب الوطني (الحاكم) في الانتخابات الرئاسية حتى إذا زورت الحكومة الانتخابات." وتصر الحكومة على أن الانتخابات حرة ونزيهة. وقال عبد الفتاح: "سيكون من الصعب عليها إقناع الشعب بأن عددًا كبيرًا من الناس صوت لصالح الحزب الوطني بعد رفع الأسعار." وتقول الحكومة إنها تبيع البنزين وغاز الطهو، ليس فقط بأقل من الأسعار العالمية، بل بأقل من سعر الإنتاج. ونتيجة لذلك يستهلك الدعم خاصة للطاقة نحو 25% من ميزانية الدولة. ويقلص هذا العبء من الإنفاق على البنية الأساسية والتعليم وغيرها من البرامج المطلوبة لدعم النمو الاقتصادي، وساعد في تضخم عجز الميزانية الذي بلغ نسبة كبيرة هي 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المنتهي في يونيو الماضي. وقال أوليفر بيل، رئيس وحدة أبحاث الأسواق الناشئة في شركة بيكتل اسيت مندجمنت: "إذا تطلعت لعامين أو ثلاثة سترى العجز يتراجع." وقال بيل المقيم في لندن: "يتعين معالجة الدعم، وهذ ليس بالأمر السهل سياسيا، لذلك فهو يحتاج لحكومة قوية." ومولت الحكومة العجز أساسا عن طريق بيع أذون وسندات خزانة. ويقول المحللون إنه بالقيام بذلك فإنها تزاحم المقترضين من القطاع الخاص وقد تخرجهم من السوق. وهدأ ذلك بعض الشيء العام الماضي مع انتعاش إقبال المستثمرين على الاقتراض بعملات ذات فائدة منخفضة والاستثمار في أصول مرتفعة العائد، فاستفاد المستثمرون الأجانب من تدفق الدولارات الرخيصة نتيجة جهود الولاياتالمتحدة لدعم الاقتصاد في شراء الأوراق المالية مرتفعة العائد التي تصدرها الحكومة المصرية. وتفيد بيانات البنك المركزي المصري أن قيمة ما بحوزة المستثمرين الأجانب من أذون الخزانة المصرية بلغت 59.9 مليار جنيه مصري (10.4 مليار دولار) في أغسطس الماضي ارتفاعا من 9.1 مليار جنيه قبل عام. ولم يحد ترقب الانتخابات بعد من إقبال الأجانب على السندات المصرية، بل يزيد من مخاطر تذبذب الأسعار. وتراجع الجنيه المستقر عادة أمام الدولار في شهري أكتوبر ونوفمبر منخفضا بنسبة 1% إلى أدنى مستوياته في خمس سنوات. وقال محلل مصري مقيم خارج البلاد: "أعتقد أنها توفر الخلفية التي تجعل الجميع في حالة توتر." ويقول المحللون إن منافسه المستثمرين الأجانب على السندات الحكومية المصرية تشجع البنوك المحلية على التوسع في الاقراض المحلي. غير أن تدفق الأموال يهدد بزيادة التضخم البالغ بالفعل 11%. وقال أحمد نظيف، رئيس الوزراء: إن مصر تحتاج إلى معدل نمو لا يقل عن 6% لاستيعاب الوافدين الجدد على قوة العمل ونمو يتراوح بين 7 و8% للحد من البطالة. ونما الاقتصاد المصري بمعدل 7% في السنوات الثلاث السابقة على الأزمة الاقتصادية العالمية، لكن معدل النمو تراجع إلى 4.7% في السنة المالية 2008- 2009، وبلغ 5.1% في 2009- 2010 . وقال انجوس بلير، مدير البحوث في بيلتون فاينانشال بالقاهرة: إن الحكومة من المستبعد أن تخفض الإنفاق العام على الدعم قبل انتخابات الرئاسة العام المقبل، لكنها قد تعمل حتى ذلك الحين على تحسين توجيهها لاستهداف الأكثر احتياجا. وأضاف: "الدعم بطبيعته غير فعال وباهظ التكاليف. ومصر بعدد سكانها المتزايد ليس أمامها بديل"، عن خفضه في نهاية الأمر.