رغم أن شلة الصف الأول الثانوى ليست الأكبر سنا، لكنها تبدو القوى العظمى المسيطرة على المدرسة الخاصة بمدينة نصر، مما يثير حنق زملائهم من الصف الثانى الثانوى، فهؤلاء بحكم انشغالهم فى أداء النصف الأول من شهادة الثانوية العامة قد لا تكون لديهم الفرصة نفسها لاستعراض عضلاتهم. لذا لا تترك شلل سنة ثانية ثانوى مباراة كرة تمر دون استفزاز شلة أولى ثانوى، فمنذ أسبوعين شهد الشارع الخلفى للمدرسة معركة بين طلاب العامين عقب مباراة كرة ساخنة تشبه مباريات مصر والجزائر إذ لم يتقبل الكبار الهزيمة! وخلال ثوان حشد عمر، (16 عاما) تلميذ بأولى ثانوى، كتيبة مدججة من زملاء فصله وبدأت معركة ساخنة بين الفصلين خارج نطاق المدرسة، مناورة عسكرية لم يكن الغرض منها فقط إثبات أن البقاء للأفضل ولكن جذب انتباه البنات وأيضا استقطاب بعضهن إلى شلة أولى ثانوى. بدت المعركة على أشدها، بعد أن قام «كيمو» بتمزيق قميص مروان. أوقع عمرو، قائد أولى ثانوى والشغوف بتقليد أشقائه الأكبر سنا، خسائر كبيرة بأحد محال الزجاج الموجودة بالمنطقة. كانت سميرة وكيلة المدرسة تستعد للرحيل عندما صادفتها المعركة الساخنة، لم تجد بدا من لعب دور الحكم رغم أن المعركة تدور خارج نطاق المدرسة. بدأت تفض الاشتباك ودعت السائق الخاص لعمرو كى يصطحبه للبيت، واتصلت بوالد كيمو ليعتذر لصاحب المحال الذى دخل رغم أنفه فى العراك ونال قسطا من التلفيات. ثم اصطحبت بدورها بعض التلاميذ الذين يقطنون بجوار منزلها. وفى اليوم الثانى ارتأت سميرة أن القرار الحكيم هو استصدار قرار بالفصل لمدة يوم للرموز المشاغبة فى كل من «الشلتين» حتى تهدأ النفوس، وسعت لعقد معاهدة سلام عبر «ديش بارتى» أو مائدة مستديرة للطعام تجمع بين المجموعتين. وتقول: «أعلم أن مثل هذه الشلل تعد مركز قوة فى المدرسة، لذا لا يمكن أن أتجاهل معطيات الواقع عند السعى لإقرار الأمن والسلام داخل المؤسسة التعليمية». أكدت دراسة أعدها عالم الاجتماع الدكتور أحمد زايد عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة أن 30% من طلاب المدارس فى مصر مارسوا أشد أنواع العنف، فى صوره المختلفة، منها الضرب والركل والقذف بالطوب والشتائم والاستهزاء بالزملاء. وأشارت الدراسة إلى وجود 3 أقسام للعنف، هى أثناء الذهاب إلى المدرسة، وداخل المدرسة، وأثناء العودة إلى المنازل، وكل قسم يختلف عن الآخر، موضحة أن العنف أثناء الذهاب للمدرسة يكون بسيطا إلى حد ما، لأن التلاميذ يكونون فى طريقهم إلى هدف محدد هو الوصول إلى المدرسة والوقت محدود، بعكس أثناء العودة، فالوقت مفتوح، والرقابة غائبة، ومن ثم تظهر صور مختلفة للعنف الذى غالبا ما يكون جماعيا، حيث تظهر «الشلل» وتتعدد صور الخناقات، أما داخل المدارس فيكون كل شىء تحت إشراف ورقابة المدرسة، ويظهر العنف فى صور المزاحمة أثناء الطابور أو الشتائم أو القذف بالطباشير. وكشفت الدراسة أن 80% من صور العنف المدرسى تقع بين تلميذين، و4.64% بين الشلل، و21.2% بين مجموعات من مدارس مختلفة، والنسب الباقية تأخذ أشكالاً أخرى أقل خطورة، مشيرة إلى أن 7.4% من التلاميذ الذين شكلوا عينة الدراسة يذهبون إلى مدارسهم ويعودون فى شلل، وهو ما يمثل فيما بعد بداية لجماعات منحرفة فى السلوك، لكن هذا لا يمنع أن انتشار الشلل المدرسية يجعل التلاميذ فى أمان وسلام فى ظل فقدان الأمن فى الشوارع المؤدية للمدارس. إحنا بتوع يوسف تلجأ شلة سنة أولى إعدادى بأحد مدارس التجمع الخامس إلى كيان الشلة حتى تتمكن من التعايش داخل مجتمع المدرسة، فهم يمدون أعناقهم إلى عالم الكبار دون جدوى. ويعتقد كريم، (15 سنة) تلميذ بالصف الأول الثانوى، أن على طلاب الصف الأول ضريبة يجب أن يدفعوها كما سددها من سبقوهم، فطلاب هذا العام الانتقالى هم بمثابة متنفس لغضب التلاميذ الأكبر سنا، كما يقول حسن، التلميذ بالصف الدراسى نفسه. الكبار يتلذذون إذن بالتسلية وابتكار المقالب الهزلية من أجل الضحك عليهم، «فسنة أولى إعدادى هى من أصعب سنوات الحياة الطلابية، التلميذ يريد أن يثبت أنه قد تخطى مرحلة الطفولة ويناطح الكبار رغم أن عقله لم ينضج بعد، هم فى هذه المرحلة كتلة من التمرد»، كما تقول الدكتورة راوية عزت مديرة المدرسة المذكورة أعلاه. أما الدكتورة نهلة ناجى، أستاذة الطب النفسى، فهى ترى أن الجماعات ذات المواقف المتشابهة تتخذ مواقف «شللية» تجاه العنف والتحالفات من أجل إثبات الانتماء، مما يعزز لديهم توجهات وسلوكيات خاصة، فإذا كانت البيئة خارج المدرسة عنيفة فإن المدرسة ستكون عنيفة أيضا. الصغار يسعون للتكتل من أجل الصمود، بل يحاولون التجمهر حول زعيم يمثل «القبضايا» لشلة أولى إعدادى. «كلنا نحتمى فى يوسف، فطوله يتعدى المائة وسبعين سنتيمترا ووزنه يتعدى 80 كيلو، وهو يمارس لعبة «الكونج فو» فهو يعد الأكثر قدرة على حمايتنا، لأن الكبار يعملون له حساب»، كلمة يوسف تبدو مسموعة لدى أبناء فصله وغضبه عليهم قد تكون عواقبه وخيمة، مما يدفع زميله عبدالرحمن للتعبير عن رغبته فى إيجاد الحماية كالتالى: «لو فقدت حماية يوسف، قد أصبح مسخرة المدرسة!» ويضيف: «التف حولى بعض التلاميذ الأكبر سنا فى دورة المياه وأخذوا يطالبوننى بإخراج كل ما فى جيوبى. خرجت بسرعة فى غفلة وأخبرت يوسف وباقى أفراد الشلة وداهمنا طلاب الفصل الذين حاولوا ابتزازى، ورغم أننا أخذنا علقة ساخنة لكنهم فهموا أننا لسنا صيدا سهلا، يكفى أننا بتوع يوسف» داخل هذا المجتمع الذى يشبه الغابة حيث البقاء للأقوى، يكون الباحثون عن الحماية هم غالبا الأطفال الأضعف والأقل ثقة بأنفسهم. توضح الدكتورة نهلة ناجى أن المجتمع فى كثير من الأحيان يحترم الطالب الناجح فقط ولا يعطى أهمية وكيانا للطالب الفاشل تعليميا، مما يولد داخله نوعا من أنواع الإحباط الذى يعتبر الدافع الرئيسى وراء العنف، فبواسطة العنف وحده يتمكن الفرد الذى يشعر بالعجز من تحقيق ذاته. ترسم هبة محمود، مدرسة، بدورها ملامح لهذا القائد الصغير الذى تلتف حوله الشلة. فهى ترى أن شخصية الزعيم لا ترتبط بقوته البدنية، فهناك طلبة الذين ينصبون على كرسى الزعامة لأن لديهم روح الإقدام والجرأة على مناطحة الأقوى دون خوف، وهؤلاء يمثلون «مراكز للقوة» داخل الشلة التى تهمش بدورها الأضعف سواء ماديا أو اجتماعيا أو بدنيا إلخ. وهم يقدرون من لديه خبرة تتعدى أعمارهم بسبب اختلاطهم بأشقاء أو أقرباء أكبر سنا.