تظل "بي بي سي العربية" واحدة من أقدم المؤسسات الإعلامية العاملة في بلادنا العربية وأهمها، وقد تخرّج أهم الإعلاميين العرب من مدرسة ال"بي بي سي العربية"، ولا تزال معايير العمل الإعلامي هي المرشد والدليل لأغلب العاملين في المجال. وكانت الانتخابات البرلمانية المصرية في الفترة المقبلة من أهم الأحداث الإعلامية التي تحرص كل وسائل الإعلام على متابعتها، وكان للشروق لقاء مع د. نجلاء العمري، مديرة البرامج بشبكة "بي بي سي العربية"، والتي شرحت خلاله الصعوبات التي تواجه "بي بي سي العربية" في عملها في هذه الفترة. * هل تجدين رابطًا بين القرارات التي صدرت مؤخرًا والخاصة بالإعلام، مثل إقالة إبراهيم عيسى ووقف برنامج عمرو أديب ومراقبة الرسائل القصيرة وتنظيم وحدات البث المباشر أم أن الأمر محض الصدفة؟ لا أستطيع أن أعلق على هذا، ولكن أستطيع أن أخبرك بما نمر به وبما يحدث مع طواقمنا الإعلامية في ال"بي بي سي العربية"، فخلال الشهرين الأخيرين أصبح هناك تضييق على عملنا، ولم يعد بالإمكان استصدار تصاريح التصوير في الشارع بسهولة، لم نعد نحصل على عدد التصاريح التي كنا نحصل عليها من قبل، وقرار وحدات البث المباشر مشكلة ضخمة؛ لأن عدم توافرها معناه أننا يوم الانتخابات لن نستطيع أن نكون في الشارع، فجأة اختفت كل وحدات البث وتم تأجيرها للتليفزيون المصري، وبالرغم من الإعلان عن نية التليفزيون في التعاون معنا والسماح لنا باستخدامها، فنحن نعلم بطبيعة الحال أن يوم الانتخابات ستكون أولوية البث للجهاز الذي استأجر، وبالتالي فإن الحصول على زمن محدد لنا للبث في يوم حافل مثل يوم الانتخابات قد تكون ضئيلة. * وكيف ستتغلب "بي بي سي العربية" على هذه المشكلة؟ دائما هناك حلول، والمنع أصبح غير وارد، بالرغم من أننا نفضل أن نستخدم كل إمكانياتنا إلا أننا لن نتوقف عند هذا، فالتعامل بالمتاح قد يصبح حلاًّ، ويمكن الحصول على المعلومات بأقل الإمكانيات، فجهاز الهاتف النقال أصبح وحدة بث صغيرة بحد ذاته، يمكن من خلاله نقل الصوت والصورة والفيديو أيضًا، هناك كاميرات أخرى صغيرة. وبالتالي ففكرة أن تُمنع تغطية عفا عليها الزمن، ولا يستطيع أحد أن يمنع الحقائق أو نقل الأخبار، ولن يحدث منع أكثر مما حدث في إيران أو بورما بصغر حجمها والجيش في الشارع والإمكانيات محدودة، ومع ذلك المعلومات تم تداولها والصورة أيضًا، واليوم أصبحت المادة المنتجة من خلال المتلقي "أي شاب ماشي في الشارع ممكن يبعت مادة صورها بهاتفه المحمول لمحطة تليفزيون". * ولكن ما مدى مصداقية مثل هذه المادة؟ نحن نعمل على الحصول على المواد المؤكدة والموثقة طوال الوقت، ولذلك نقول إنه من الأفضل أن تكون التغطية في الضوء، من خلال مؤسسات إعلامية لها قواعد نحترمها جميعًا، ونتفق عليها، وتسهل عمل الجميع، بدلاً من الاعتماد على معلومات مجزأة تضع الإعلامي في موقف حرج يصبح غير قادر من التأكد من حقيقتها. "يعني أنا أما بتجيلي مادة حد مصورها بهاتفه المحمول.. هناك جدل.. أخدها ولا ما أخدهاش .. هل حصلت زي ما هو بيقول؟ هل حصلت وقت ما هو بيقول؟ ولا ممكن تكون حصلت في وقت أسبق؟.. فيه جدل". وهذا الوضع يضع الدولة نفسها في موقف حرج يمكن أن تتجنبه، ولذلك عليها أن تفتح المجال إن كان حقًّا ليس لديها ما تخفيه. * وهل تلمسين فرقًا في العمل هذه الأيام في الشارع المصري؟ بالتأكيد، هناك حالة من الخوف لمسناها في التعامل مع العاملين في قطاع الخدمات الإعلامية، وكذلك الصحفيون المحليون، حتى الناس في الشارع، ردودهم على أي أسئلة توجه لهم تتراوح بين اختيارين، إما "ماليش دعوة" أو "كل حاجة كويسة". وأنا لا أعلم، هل هناك سبب حقيقي لهذا الخوف أم أنها تصورات عامة غير حقيقية، ومخاوف وهمية تجعل الناس تشعر أن هذا هو الجو العام وبالتالي "نبعد عن الشر ونغنيله"؟!. * ما هو جديد "بي بي سي العربية" في الانتخابات المصرية؟ نحن نحاول أن نطلق برنامجًا جديدًا اسمه "ساعة حساب"، وهو ترجمة لأشهر برنامج تقدمه ال"بي بي سي" في بريطانيا، واسمه "question time"، وهو يعمل على قلب المنظومة المعتادة، فالمعتاد في البرنامج التليفزيونية أن يكون هناك مقدم للبرنامج وخبير ومحلل، ثم قد يكون هناك جمهور أو لا يكون، والجمهور يكون في هذه الحالة ديكورًا، أو في موقع السائل الباحث عن المعلومة وليس في موقع المُسائل، نحن نحاول أن نجعل الجمهور هو الذي يطرح القضايا التي تهمه. نحاول أن نقلب المعادلة.. فيكون هناك مجموعة ممثلة لكل الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية، ومجموعة في المقابل ممثلة للشعب المصري بكل توجهاته.. والشعب هو الذي يسأل هؤلاء الممثلين، يناقش برامجهم.. أين أنا من برنامجك الانتخابي؟.. ويحاول البرنامج إعطاء الكلمة في النهاية للشعب وليس المحلل أو الخبير، نسعى لإطلاق البرنامج خلال الأيام القادمة، ونأمل أن نطلقه من القاهرة على أن يتجاوز فيما بعد مصر إلى الدول العربية، على أن يصبح من أساسيات الخريطة البرامجية ل"بي بي سي العربية". ولكننا خلال 3 أيام في القاهرة نبحث عن مكان لتسجيل البرنامج، وفي كل مرة نصل إلى مكان مناسب للتسجيل وبعد الحصول على الموافقة المبدئية. بمجرد أن نقول إن البرنامج تنتجه ال"بي بي سي" عن الانتخابات نُفاجأ بكلمة "لا" تخرج في وجوهنا.. إما بالاعتذار أن المكان محجوز، أو بوضوح تام "الموضوع ده مانقدرش عليه"!، ولكننا ما زلنا نبحث ونأمل أن ننجح سريعًا. * أين موقع "بي بي سي العربية" في بوتقة مجموعة ال"بي بي سي"؟ "بي بي سي العربية" هي أقدم خدمة بلغة أجنبية في مجموعة ال"بي بي سي"، وهي موجودة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، والتليفزيون العربي أيضًا أكبر تليفزيون بلغة أجنبية في مجموعة ال"بي بي سي"، هناك اهتمام كبير بالمنطقة العربية، وهذا الاهتمام سيظل موجودًا ما دام هناك فائدة ومبرر لوجوده، ولو الإعلام العربي أصبح يغطي احتياجات المنطقة قد تنسحب ال"بي بي سي العربية" من المنطقة، وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها كل المؤسسات، وهو ما حدث في دول أخرى، ونأمل ألا يحدث مع "بي بي سي العربية". يمكنكم متابعة مزيد من التغطيات من خلال مرصد الشروق لانتخابات برلمان 2010 عبر: مرصد الشروق عبر فيس بوك مرصد الشروق عبر تويتر