لا تزال القضايا العالقة بين شريكى الحكم فى السودان كما هى دون حل، مع اقتراب موعد استفتاء جنوب السودان لتقرير مصيره، والمقرر فى التاسع من يناير المقبل ، وهو ما يزيد الأجواء السياسية توترا فى أكبر بلدان أفريقيا مساحة، وصولا إلى احتمال نشوب حرب يحذر منها جميع جيران السودان والقوى الكبرى على حد سواء. لكن، أغلب المراقبين والسياسيين فى السودان يرون أن شريكى الحكم (المؤتمر الوطنى بزعامة الرئيس عمر البشير، والحركة الشعبية بزعامة نائبه سيلفا كير ميارديت) لا يرغبان فى عودة الحرب لأسباب عديدة. ويشدد الإعلامى السودانى فى الإذاعة الأسترالية محمد عثمان إبراهيم أنه «لا عودة للحرب» فى السودان، مضيفا أن العودة إلى الحرب ليست خيارا لدى النخبة الحاكمة سواء فى الخرطوم أو جوبا. لكنه لم يستبعد وجود أطراف مختلفة قد ترى أن العودة للحرب أفضل بالنسبة لها ولمصالحها الذاتية أو السياسية، مضيفا أن نشوء دولة مستقلة فى جنوب السودان سيفرض إعادة تشكيل خريطة التشريع والحكم، فى الشمال والجنوب، ما يستتبع تحريك رءوس كبيرة من مواقعها. وكان زعيم حزب الأمة السودانى وإمام طائفة الأنصار الصادق المهدى، قد أوضح أنه على الرغم من تصديقه أن شركى الحكم لا يرغبان فى الحرب، إلا أنه يخشى أن تشتبك أطراف قبلية وتجر الشريكان للحرب، التى لا يريد أى منهما أن يتهم بإشعالها. وأشار المهدى إلى عدد من المناطق المتنازع عليها بين الشماليين والجنوبيين، يطلق عليها فى السودان «مناطق التداخل العرقى والقبلى»، وصفها زعيم الأنصار بأنها شهدت بالفعل «نزاعات وسالت فيها دماء وتستعد الأطراف المعنية فيها لأى مواجهات». من المعروف أن أبرز مناطق التداخل العرقى والقبلى، منطقة أبيى الغنية بالنفط، والتى تسكنها قبائل دينكا نقوك (جنوب)، ويأتيها سنويا فى شهور الجفاف قبائل المسيرية (شمالية) لرعى ماشيتهم، والذين يصرون على حقهم فى المشاركة فى الاستفتاء، المقرر فى المنطقة لتحديد هويتها ما بين الشمال والجنوب. واستبعد مصدر عسكرى نشوب حرب بين الشمال والجنوب، لكنه لم يستبعد وقوع مناوشات على الحدود، حتى موعد الاستفتاء، الذى ستحدد طريقة إجرائه وقوع حرب أخرى أم لا. وتابع المصدر الذى فضل عدم ذكر اسمه: كلا الطرفان ليهما يكفيهما من المشاكل، ويريدان المحافظة على تدفق عائدات النفط، التى ستضربها الحرب. ووقعت بالفعل صدامات بين الطرفين، راح ضحيتها المئات وشرد الآلاف، وصدرت التصريحات التى وترت الأجواء بالفعل، حيث قال مختار أبونمر أحد زعماء المسيرية «لن يكون هناك استفتاء إذا لم نشارك فيه، لدينا خمسة ملايين رأس من الماشية من أين ستشرب؟»، فى الوقت نفسه قال حاكم المنطقة عن الحركة الشعبية دينق أروب كول إن الاستفتاء مقصور على «الدينكا نقوك، وكل السودانيين الموجودين فى المنطقة»، كما نصت اتفاقية السلام 2005، وهو ما ينطبق على المسيرية الذين لا يقيمون فى أبيى إقامة كاملة. وفى ذات السياق، أشارت صحيفة كريستيان ساينس مونتر إلى أن الشريكين يعيشان أفضل صيغة للعلاقة بينهما، ويضيف كاتب التقرير مارك جوستافستون أن عودة الحرب ستوقف صناعة النفط السودانية، ما يعوق اقتصاد الشمال والجنوب، ويزعزع سيطرة الشريكين على مناطق حكمهما. وتابعت الصحيفة فى تقرير لاحق لها أن حكومة جنوب السودان تحتاج للنفط «لرص صفوف قيادات جنوب السودان خلف خياراتها»، وهو ما يبعد عنها خيار خوض الحرب التى معناها توقف عائدات النفط، التى تمثل 98% من إيرادات حكومة جوبا، و65% من عائدات حكومة الشمال.