بإذن الله.. أنا ناوى أرشح نفسى لمجلس الشعب.. مجلس الشعب!!.. عقبّت باندهاش الزوجة الثانية سعاد بعد أن حدثها الحاج عزام عن رغبته تلك، وفيما كانت هى تهلل بفرحة فطرية كشف لها النقاب عما وراء هذه النية واختزلها بقوله «عارفة يا سعاد لو دخلت المجلس..أعمل شغل بملايين». «الحاج عزام» من أبرز شخصيات رواية «عمارة يعقوبيان» للكاتب علاء الأسوانى، جسد من خلالها شخصية عضو مجلس الشعب الذى بذل الغالى والنفيس من أجل العبور إلى جنة البرلمان، وهى شخصية أغرق الأسوانى القارئ فى تفاصيلها المروعّة من نفاق وتدليس وفساد، فيما كان القارئ نفسه يستحضر مع كل تفصيلة صورة لأحد نواب المجلس الذين أساء كثير منهم لوقاره، ومع بدء العد التنازلى لانتخابات مجلس الشعب هذا العام كان تأمل شخصية نائب البرلمان كما ظهرت فى الأدب يستحق بعض التوقف. «من عدم الإنصاف أن نطلق على جميع أعضاء مجلس الشعب صفة الفساد، فهناك إلى جانب ذلك نماذج أخرى محترمة»، هكذا تحدث علاء الأسوانى الذى لفت إلى أنه فى الدول الديمقراطية هناك معنى واحد لنائب البرلمان كما فى بريطانيا، أما فى مصر فإن نائب البرلمان يحتمل معنيين، الأول أنه جاء حقا بإرادة الناخبين مثل النائب حمدين صباحى وأبوالعز الحريرى، أما النموذج الآخر فهو الشخص المزور المنحرف كما ظهرت شخصية «الحاج عزام». فرَّق الأسوانى بين كل من عنصر الآن Now element والعنصر الإنسانى Human element، وما يحدث أنه كمواطن يعيش فى مصر، ويشهد على تزوير الانتخابات والسلطات المنحرفة، فإن التعبير عن ذلك يندرج تحت عنوان «عنصر الآن» أو العنصر السياسى وهو الأقل أهمية، أما الأهم فهو العنصر الإنسانى الذى يبحث «كيف يفكر هذا الإنسان؟»، مثلا كيف اشترى الحاج عزام زوجته؟ وكيف يمارس خداع النفس والتظاهر بالتدين وصراعه مع الكبار حتى سحقوه، فشخصية الحاج عزام مركبة جدا و«غير نادرة فى مصر». عن صراعه مع الكبار صاغ علاء الأسوانى شخصية «كمال الفولى»، ممثلا عن هؤلاء الكبار الذى قال عنه صاحب «عمارة يعقوبيان» ل«الشروق»: «كمال الفولى صاحب الموهبة المنحرفة، فالاستبداد يحول الموهبة إلى انحراف». ففى الرواية دخل «الحاج عزام» و«كمال الفولى» فى مساومة طويلة لضمان عزام ترشيح الحزب الحاكم له لدائرة قصر النيل، وانتهت باتفاقهما على شراء الأول للدائرة بمبلغ مليون جنيه. - يعنى لو دفعت المبلغ يا كمال بك أضمن الانتخابات بأمر الله؟! - عيب يا حاج.. أنت بتكلم كمال الفولى.. خبرة برلمانية ثلاثين سنة.. ولا مرشح فيك يا مصر يقدر ينجح من غير رغبتنا بأمر الله. - أنا سامع عن ناس جامدين ناويين يرشحوا أنفسهم فى قصر النيل. - ولا يهمك.. لو اتفقنا على بركة الله تنجح فى قصر النيل ولو نزل ضدك الجن الأزرق.. دى لعبتى يا حاج. - الحديث عن التزوير وشراء الدوائر الانتخابية ليس دخيلا على موقف صاحب «عمارة يعقوبيان» الذى قال فى حديثه ل«الشروق» إنه لا يعتقد أن أكبر أنصار الحزب الحاكم نفسه يستطيع إنكار أن الانتخابات يتم تزويرها خاصة مع استمرار العمل بقانون الطوارئ. فى عالم إبراهيم أصلان كان عضو مجلس الشعب رجلا يحمل الكثير من الملامح الهزلية، وبديهى أن تخرج شخصية فتحى عماد المحامى فى «عصافير النيل» على هذا الغرار، لاسيما وأن رؤية صاحبها حسب ما قال ل«الشروق» إن «الانطباع العام أنه لا يوجد عندنا ما يسمى مجلس شعب، أو أن لدينا مجلسا يقوم بدور سلبى، على الأقل هو مجلس هزلى»، ويضيف «كان فى مخيلتى صورة شبه كاريكاتورية رسمتها للبرلمان كما ظهرت فى الرواية». ففى «عصافير النيل» اختار مرشح الحكومة فتحى عماد أن يلتقى الناخبين فى أرض السوق، وجلس بحوار خطيب الجامع لدعمه، وفى هذه الأثناء غلبه النعاس حتى قبل أن يلقى كلمته أمام الناخبين «لكن المرشح لم يكن نائما تماما لأن خده انزلق على كفه وهو ما زال مغلق العينين». يقول أصلان إنه التقى هذا النموذج من قبل، وأنه رسمه فى الرواية باعتباره رجل أعمال رأسماليا يلجأ لدعم رجال الدين، أما النعاس فهو دلالة على حالة الخمول التى تسيطر عليه وعلى فكره، وكانت قمة الفانتازيا هو المشهد الذى هلل فيه عضو مجلس الشعب نفسه بعد أن أمسك بورقة من منشوراته الانتخابية، ومن فرط إعجابه بذاته، وكنوع من الدعابة صرخ «والله.. والله أنا لو ناخب لازم أدى صوتى للراجل ده»!، أما الناخبون فكانوا يهمزون ويلمزون وهم يتأملون مرشح الدائرة المنتظر. «ده مرشح الحكومة يا سى عبد الرحيم.. انت شفت العربية اللى ركبها». رغم هذا الحس الطريف اللاذع، الذى يبرع إبراهيم أصلان فى استخدامه لنقد الظواهر السياسية والاجتماعية التى تؤرقه، إلا أن صاحب «عصافير النيل» أكد أن حدود الفانتازيا لا يصل بها إلى درجة المبالغة حتى لا تخرج من حدود الصدق فتفقد قدرتها على التأثير، وعقب «بشكل عام فإن أعضاء مجلس الشعب إلا قليلا استطاعوا أن يخلفوا صورة شديدة الرداءة فى الوجدان الشعبى عموما» وأضاف «على الأقل فى جيلى هناك شخصيات قليلة جدا استطاعت أن تترك صورة شديدة الاحترام، منهم النائب ممتاز نصار، وحاليا أذكر حمدين صباحى ومصطفى بكرى والبعض الذى استطاع أن يثير قضايا جادة». علاء الأسوانى الذى تحدث عن مدى تعلقه بشخصيات رواياته «لا أكتب شخصية إلا إذا كنت أحبها فعلا»، أكد فى الوقت نفسه أنه لم يستطع أن يحب شخصيتى «الحاج عزام» أو ضابط أمن الدولة فى «عمارة يعقوبيان»، رغم أن الأدب ليس حكما على الناس وإنما هو محاولة للفهم، ومع ذلك «اكتشفت أنهما يستعصيان على الحب» - حسب تعبيره.