لم تحمل انتخابات الكونجرس الأمريكى مفاجآت حقيقية، فقد فاز الجمهوريون بالأغلبية فى مجلس النواب، لا فى مجلس الشيوخ، وربحوا فى كنتاكى لكنهم خسروا فى كاليفورنيا. باراك أوباما مازال موجودا: ربما بات أكثر ضعفا، لكنه لم يهزم، أصيب بجروح، لكنه لم ينكسر. والذين أملوا فى القدس بأن ينقذ حزب الشاى مجلس يهودا والسامرة، أخطأوا خطأ كبيرا. لقد انتهت مرحلة الانتخابات النصفية، ونحن حاليا فى مواجهة اليوم الذى يلى الانتخابات والاحتفالات. الآن تبدأ اللعبة الحقيقية التى اسمها: فلسطين، وغايتها إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة خلال عام. والسبب فى ذلك هو أن الرئيس الأمريكى الحالى يتعاطف مع الفلسطينيين، ويشعر بمعاناتهم، ويريد إنصافهم، ولأنه يعتقد أن إقامة دولة فلسطينية سترضى العالمين العربى والإسلامى الذى يسعى للتصالح معهما. وهو يدرك أنه فى ظل الأخبار السيئة من العراق ومن إيران ومن أفغانستان، فإن فلسطين تبقى فرصته الوحيدة لصنع حدث دولى ناجح. وحدها فلسطين ستجعله يستحق جائزة نوبل للسلام التى حصل عليها، ووحدها فلسطين ستمنح أوباما الإرث الدولى الذى يتوق إليه، ووحدها فلسطين سترفع من معنويات المجموعة الاستشارية الليبرالية المحيطة به. فى سنة 2011 ستكو فلسطين بالنسبة إلى الرئىس الأمريكى، بالأهمية نفسها التى كان عليها قانون الضمان الصحى فى سنة 2009. وسواء باللين أو بالعنف، بذكاء أو بحماقة سيقيم باراك حسين أوباما وحده دولة فلسطين. من ناحية معينة، يبدو إصرار الرئيس الأمريكى أمرا جيدا. فمن الجيد وجود زعيم دولى يحاول إنقاذ حل الدولتين فى الدقيقة الأخيرة، ومن الجيد أن يكون هذا الزعيم مستعدا لتوظيف الجهود الكبيرة من أجل تحقيق هذا الحل، ومن الجيد أن يكون هناك زعيم لديه حس بالعدالة كى يدرك أن الوضع الحالى لا يطاق، ومن الجيد أن يوجد سياسى على قدر من السذاجة، كى يعتقد أنه قادر على إصلاح العالم. لكن من ناحية أخرى، ربما يكون إصرار أوباما خطرا. وكما يقول المثل العربى، فإن العجلة من الشيطان، والسذاجة تؤدى إلى الكارثة، والنيات الطيبة غير القائمة على الوقائع ربما تقودنا إلى الجحيم. لقد حاول بيل كلينتون فرض السلام على الشرق الأوسط وفشل، وجرب جورج بوش فرض الديمقراطية وفشل. وإذا حاول أوباما فرض نهاية للنزاع الفلسطينى الإسرائيلى قبل الأوان، فسيفشل أيضا. وهذا الاخفاق الأمريكى الثالث على التوالى سيكون هو الأكبر، لأنه سيؤدى إلى زعزعة الاستقرار، ويشجع على العنف، ولا يترك وراءه غير الخراب. المشكلة صعبة، فالخيار هو بين سياسة طهرانية تحاول بناء القصور فى الهواء، وبين سياسة ذكية تحاول تغيير الوقائع على الأرض. إن التحرك الأكثر إيجابية الذى يجرى فى المنطقة حاليا هو تحرك سلام فياض الذى يقوم ببناء مجتمع فلسطينى جديد ومزدهر فى الضفة الغربية. إذا لم نعط تحرك فياض أفقا سياسيا، فقد ينهار، وإذا ما أعطى أفقا سياسيا غير قابل للتحقيق فسينهار أيضا. لذا من الحكمة أن يحاك للثورة الفلسطينية الهادئة ثوب سياسى يلائمها. وعلينا ألا ننجز ملف اللاجئين خلال شهرين، وألا نحاول حل مشكلة القدس خلال أسبوعين، وألا نسمح للأيديولوجيا ولا للاهوت بالوقوف فى وجه المعتدلين من الفلسطينيين والإسرائىليين. إن الحل الوحيد هو الاتفاق المرحلى الذى يؤدى إلى تقليص الاحتلال، من دون أن يضع نهاية للنزاع، ومن دون أن يعرض إسرائيل للخطر. ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة، فأوباما حتى بعد خسارته لمجلس النواب مازال قويا، وهو يستطيع إرغام إسرائيل، بل الدخول فى مواجهة معها، وعزلها وفرض سلام موهوم عليها، لكن ليس فى استطاعته تحويل الوهم إلى حقيقة. فهو غير قادر على إسقاط «حماس»، ولا على إلغاء المطالبة بالعودة، ولا تحويل فلسطين إلى بلد مسالم. لذا فإذا أصر على الاستعجال، فإنه سيتسبب باضطرابات هائلة. فى مقابل ذلك، إذا اختار باراك الأسلوب البراجماتى، فثمة حظوظ كبيرة فى التغيير. وحده السلام الجزئى، وغير النهائى، يعطى حامل جائزة نوبل للسلام ما يطمح إليه.